بيتي مؤمنا) * خص المذكورين لتأكد حقهم وتقديم برهم، ثم عمم الدعاء، فقال: * (وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزل الظالمين إلا تبارا) *، أي: خسارا، ودمارا وهلاكا. تم تفسير سورة نوح والحمد لله. سورة الجن * (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنآ أحدا * وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) * أي: * (قل) * يا أيها الرسول للناس * (أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) * صرفهم الله إلى رسوله، لسماع آياته، لتقوم عليهم الحجة، وتتم عليهم النعمة، ويكونوا منذرين لقومهم. وأمر رسوله، أن يقص نبأهم على الناس، وذلك: أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا، فهموا معانيه، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم. * (فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا) *، أي: من العجائب الغالية، والمطالب العالية. * (يهدي إلى الرشد) *، والرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم. * (فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) * فجمعوا بين الإيمان، الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، وبين التقوى، المتضمنة لترك الشر. ويجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه، ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد، واجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، وحجة قاطعة، لمن استنار به، واهتدى بهديه. وهذا هو الإيمان النافع، المثمر لكل خير، المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد، والمربى، والإلف ونحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة. * (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا * وأنا ظننآ أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا * وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا * وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا * وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا * وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرآئق قددا * وأنا ظننآ أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا * وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا * وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأول ئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا * وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا * وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا * وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا * قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا * قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا * قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيهآ أبدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا * قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا * عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا) * * (وأنه تعالى جد ربنا) *، أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه. * (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) * فعلموا من جد الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والجلال في كل صفة كمال. واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى. * (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) *، أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد، وما حمله على ذلك، إلا سفهه، وضعف عقله، وإلا فلو كان رزينا مطمئنا، لعرف كيف يقول: * (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) *، أي: كنا مغترين قبل ذلك، غرتنا السادة والرؤساء من الجن والإنس، فأحسنا بهم الظن، وحسبناهم لا يتجرأون على الكذب على الله، فلذلك كنا قبل ذلك على طريقهم. فاليوم إذ بان لنا الحق، سلكنا طريقه، وانقدنا له، ولم نبال بقول أحد من الخلق، يعارض الهدى. * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) * أي: كان الإنس يعوذون بالجن، عند المخاوف والأفزاع ويعبدونهم، فزاد الإنس الجن رهقا، أي: طغيانا وتكبرا، لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم. ويحتمل أن الضمير وهو (الواو) يرجع إلى الجن، أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم، ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، والتمسك بما هم عليه، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: (أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه). * (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) *، أي: فلما أنكروا البعث، أقدموا على الشرك والطغيان. * (وأنا لمسنا السماء) *، أي: أتيناها واختبرناها، * (فوجدناها ملئت حرسا شديدا) * عن الوصول إلى أرجائها، والدنو منها. * (وشهبا) * يرمى بها من استرق السمع، وهذا مخالف لعادتنا الأولى، فإنا كنا نتمكن من الوصول إلى خبر السماء. * (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) * فنتلقف تمن أخبار السماء ما شاء الله. * (فمن يستمع الآن يجد له شهابا
(٨٩٠)