تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٨٧
* (إنها لظى نزاعة للشوى) *، أي: النار التي تتلظى، تنزع من شدتها للأعضاء الظاهرة والباطنة. * (تدعو) * إلى نفسها * (من أدبر وتولى وجمع فأوعى) *، أي: أدبر عن اتباع الحق، وأعرض عنه، فلا غرض له فيه، وجمع الأموال بعضها فوق بعض، وأوعاها فلم ينفق منها ما ينفعه، ويدفع عنه النار، فالنار تدعو هؤلاء إلى نفسها، وتستعد للالتهاب بهم. * (إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دآئمون * والذين في أموالهم حق معلوم * للسآئل والمحروم * والذين يصدقون بيوم الدين * والذين هم من عذاب ربهم مشفقون * إن عذاب ربهم غير مأمون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فأنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأول ئك هم العادون * والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون * والذين هم بشهاداتهم قائمون * والذين هم على صلاتهم يحافظون * أول ئك في جنات مكرمون) * وهذا الوصف للإنسان من حيث هو، وصف طبيعته، أنه هلوع. وفسر الهلوع بقوله: * (إذا مسه الشر جزوعا) * فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو أولد، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله. * (وإذا مسه الخير منوعا) *، فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره، فيجزع في الضراء، ويمنع في السراء. * (إلا المصلين) * الموصوفين بتلك الأوصاف، فإنهم إذا مسهم الخير، شكروا الله وأنفقوا مما خولهم، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا. وقوله في وصفهم: * (الذين هم على صلاتهم دائمون) *، أي: مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها. وليسوا كمن لا يفعلها، أو يفعلها وقتا دون وقت، أو يفعلها على وجه ناقص. * (والذين في أموالهم حق معلوم) * من زكاة وصدقة * (للسائل) * الذي يتعرض للسؤال، * (والمحروم) * وهو: المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه، ولا يفطن له فيتصدق عليه. * (والذين يصدقون بيوم الدين) *، أي: يؤمنون بما أخبر به الله، وأخبرت به الرسل، من الجزاء والبعث، ويتيقنون ذلك، فيستعدون للآخرة، ويسعون لها سعيها. والتصديق بيوم الدين، يلزم منه التصديق بالرسل، وبما جاءوا به من الكتب. * (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) *، أي: خائفون وجلون، فيتركون لذلك تكل ما يقربهم من عذاب الله. * (إن عذاب ربهم غير مأمون) *، أي: هو العذاب الذي يخشى ويحذر. * (والذين هم لفروجهم حافظون) * فلا يطأون بها وطئا محرما، من زنى، أو لواط، أو وطء في دبر، أو حيض، ونحو ذلك. ويحفظونها أيضا من النظر إليها ومسها، ممن لا يجوز له ذلك، ويتركون أيضا وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة. * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) *، أي: سرياتهم * (فإنهم غير ملومين) * في وطئهن، في المحل الذي هو محل الحرث. * (فمن ابتغى وراء ذلك) *، أي: غير الزوجة، وملك اليمين، * (فأولئك هم العادون) *، أي: المتجاوزون ما أحل الله إلى ما حرم الله. ودلت هذه الآية على تحريم نكاح المتعة، لكونها غير زوجة مقصودة، ولا ملك يمين. * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) *، أي: مراعون لها، حافظون مجتهدون على أدائها، والوفاء بها. وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربه، كالتكاليف السرية التي لا يطلع عليها إلا الله، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق، في الأموال والأسرار. وكذلك العهد، شامل للعهد الذي عاهد عليه الله، والعهد الذي عاهد الخلق عليه، فإن العهد يسأل عنه العبد، هل قام به ووفاه، أم رفضه وخانه، فلم يقم به؟ * (والذين هم بشهاداتهم قائمون) *، أي: لا يشهدون إلا بما يعلمونه، من غير زيادة ولا نقص، ولا كتمان، ولا يحابي فيها قريبا ولا صديقا ونحوه، ويكون القصد بإقامتها، وجه الله. قال تعالى: * (وأقيموا الشهادة لله) *، * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) *. * (والذين هم على صلاتهم يحافظون) * بالمداومة عليها على أكمل الوجوه. * (أولئك) *، أي: الموصوفون بتلك الصفات * (في جنات مكرمون) *، أي: قد أوصل الله لهم من الكرامة والنعيم المقيم، ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون.
(٨٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 882 883 884 885 886 887 888 889 890 891 892 ... » »»