إلى سماء، حتى تنتهى إلى السماء التي فيها الله عز وجل ربها، فتحيي وتسلم عليه، وتحظى بقربه، وتبتهج بالدنو منه، ويحصل لها منه الثناء والإكرام، والبر والإعظام. وأما أرواح الفجار، فتعرج، فإذا وصلت إلى السماء، استأذنت فلا يؤذن لها، وأعيدت إلى الأرض. ثم ذكر المسافة التي تعرج فيها الملائكة والروح إلى الله، وأنها تعرج في يوم بما يسر لها من الأسباب، وأعانها عليه من اللطافة والخفة، وسرعة السير. مع أن تلك المسافة على السير المعتاد، مقدار خمسين ألف سنة، من ابتداء العروج إلى بلوغها، ما حد لها، وما تنتهي إليه من الملأ الأعلى. فهذا الملك العظيم، والعالم الكبير، علوية وسفليه، جميعه تقد تولى خلقه وتدبيره، العلي الأعلى. فعلم أحوالهم الظاهرة والباطنة، ومستقرهم ومستودعهم، وأوصلهم من رحمته وبره وإحسانه، ما عمهم وشملهم، وأجرى عليهم حكمه القدري وحكمه الشرعي، وحكمه الجزائي. فبؤسا لأقوام جهلوا عظمته، ولم يقدروه حق قدره، فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان. وسبحان الحليم الذي أمهلهم وما أهملهم، وآذوه فصبر عليهم، وعافاهم ورزقهم. هذا أحد الاحتمالات في تفسير هذه الآية الكريمة، فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا، لأن السياق الأول يدل عليه. ويحتمل أن هذا في يوم القيامة، وأن الله تعالى يظهر لعباده في يوم القيامة، من عظمته وجلاله وكبريائه، ما هو أكبر دليل على معرفته، مما يشاهدونه من عروج الأملاك والأرواح، صاعدة ونازلة، بالتدابير الإلهية، والشئون الربانية. * (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * من طوله وشدته، لكن الله تعالى، يخففه على المؤمن. وقوله: * (فاصبر صبرا جميلا) *، أي: اصبر على دعوتك لقومك، صبرا جميلا، لا تضجر فيه ولا ملل، بل استمر على أمر الله، وادع عباده إلى توحيده، ولا يمنعك عنهم ما ترى من عدم انقيادهم، وعدم رغبتهم، فإن في الصبر على ذلك خيرا كثيرا. * (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) * الضمير يعود إلى البعث، الذي فيه عذاب السائلين بالعذاب، أي: إن حالهم، حال المنكر له، والذي غلبت عليه الشقوة والسكرة، حتى تباعد جميع ما أمامه، من البعث والنشور. والله يراه قريبا، لأنه رفيق حليم لا يعجل، ويعلم أنه لا بد أن يكون، وما هو آت، فهو قريب. ثم ذكر أهوال ذلك اليوم وما فيه، فقال: * (يوم تكون السماء) * إلى: * (فأوعى) *. * (يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى) * أي: * (يوم) * القيامة، الذي تقع فيه هذه الأمور العظيمة * (تكون السماء كالمهل) * وهو الرصاص المذاب، من تشققها، وبلوغ الهول منها كل مبلغ. * (وتكون الجبال كالعهن) * وهو الصوف المنفوش، ثم تكون بعد ذلك هباء منثورا، فتضمحل. فإذا كان هذا الانزعاج والقلق لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة، فما ظنك بالعبد الضعيف، الذي قد أثقل ظهره بالذنوب والأوزار؟ أليس حقيقا أن ينخلع قلبه ولبه، ويذهل عن كل أحد؟ ولهذا قال: * (ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم) *، أي: يشاهد الحميم، وهو: القريب حميمه، فلا يبقى في قلبه متسع لسؤاله عن حاله، ولا فيما يتعلق بعشرتهم ومحبتهم، ولا يهمه إلا نفسه. * (يود المجرم) * الذي حق عليه العذاب * (لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته) *، أي: زوجته * (وأخيه وفصيلته) * أي: قرابته * (التي تؤويه) *، أي: التي جرت عادتها في الدنيا أن تتناصر، ويعين بعضها بعضا. ففي القيامة لا ينفع أحد أحدا، ولا يشفع أحد إلا بإذن الله. بل لو يفتدي المجرم المستحق للعذاب بكل من يعرفه * (ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه) * ذلك، لم ينفعه. * (كلا) *، أي: لا حيلة ولا مناصر لهم، قد حقت عليهم كلمة ربك، وذهب نفع الأقارب والأصدقاء.
(٨٨٦)