تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٨٩
الحق * (استكبارا) *، فشرهم ازداد، وخيرهم بعد. * (ثم إني دعوتهم جهارا) *، أي: بمسمع منهم كلهم. * (ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) *، كل هذا حرص ونصح، وإتيانهم بكل طريق يظن به حصول المقصود. * (فقلت استغفروا ربكم) *، أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا الله منها. * (إنه كان غفارا) * كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغبهم بمغفرة الذنب، وما يترتب عليها من الثواب، واندفاع العقاب. ورغبهم أيضا بخير الدنيا العاجل، فقال: * (يرسل السماء عليكم مدرارا) *، أي: مطرا متتابعا، يروي الشعاب والوهاد، ويحيي البلاد والعباد. * (ويمددكم بأموال وبنين) *، أي: يكثر أموالكم، التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا، وأولادكم. * (ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) * وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها. * (ما لكم لا ترجون لله وقارا) *، أي: لا تخافون لله عظمة، وليس الله عندكم قدر. * (وقد خلقكم أطوارا) *، أي: خلقا من بعد خلق، في بطن الأم، ثم في الرضاع، ثم في سن الطفولة، ثم التمييز، ثم الشباب. ثم إلى آخر ما يصل إليه الخلق، فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع، متعين أن يفرد بالعبادة والتوحيد. وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على المعاد، وأن الذي أنشأهم من العدم قادر على أن يعيدهم بعد موتهم. واستدل أيضا بخلق السماوات، التي هي أكبر من خلق الناس، فقال: * (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا) *، أي: كل سماء فوق الأخرى. * (وجعل القمر فيهن نورا) * لأهل الأرض * (وجعل الشمس سراجا) *. ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمة الله وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويخاف ويرجى. * (والله أنبتكم من الأرض نباتا) * حين خلق أباكم آدم وأنتم في صلبه. * (ثم يعيدكم فيها) * عند الموت * (ويخرجكم إخراجا) * للبعث والنشور، فهو الذي يملك الحياة والموت والنشور. * (والله جعل لكم الأرض بساطا) *، أي: مبسوطة مهيأة للانتفاع بها. * (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) * فلولا أنه بسطها، لما أمكن ذلك، بل ولا أمكنهم حرثها وغرسها، وزرعها، والبناء والسكون على ظهرها. * (قال نوح) * شاكيا لربه: إن هذا الكلام والوعظ والتذكير، ما نجع فيهم ولا أفاد. * (رب إنهم عصوني) * فيما أمرتهم به * (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) *، أي: عصوا الرسول الناصح الدال على الخير، واتبعوا الملأ والأشراف الذين لم تزدهم أموالهم ولا أولادهم إلا خسارا، أي: هلاكا وتفويتا للأرباح، فكيف بمن انقاد لهم وأطاعهم؟ * (ومكروا مكرا كبارا) *، أي: مكرا كبيرا بليغا في معاندة الحق. * (وقالوا) * لهم داعين إلى الشرك مزينين * (لا تذرن آلهتكم) * فدعوهم إلى التعصب على ما هم عليه من الشرك، وأن لا يدعوا ما عليه آباؤهم الأقدمون. ثم عينوا آلهتهم، فقالوا: * (ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) *. وهذه أسماء رجال صالحين، لما ماتوا، زين الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم، لينشطوا بزعمهم على الطاعة، إذا رأوها. ثم طال الأمد، وجاء غير أولئك فقال لهم الشيطان: إن أسلافكم كانوا يعبدونهم، ويتوسلون بهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم. ولهذا وصى رؤساؤهم للتابعين لهم، أن لا يدعوا عبادة هذه الأصنام. * (وقد أضلوا كثيرا) *، أي: أضل الكبار والرؤساء بدعوتهم، كثيرا من الخلق. * (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) *، أي: لو كان ضلالهم عند دعوتي إياهم للحق، لكان مصلحة، ولكن لا يزيدون بدعوة الرؤساء إلا ضلالا، أي: فلم يبق محل لنجاحهم وصلاحهم، ولهذا ذكر الله عذابهم وعقوبتهم الدنيوية والأخروية، فقال: * (مما خطيئاتهم أغرقوا) * في اليم الذي أحاط بهم * (فأدخلوا نارا) *، فذهبت أجسادهم في الغرق، وأرواحهم للنار والحرق. وهذا كله بسبب خطيئاتهم، التي أتاهم نبيهم ينذرهم عنها، ويخبرهم بشؤمها وسوء مغبتها، فرفضوا ما قال، حتى حل بهم النكال. * (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) * ينصرونهم حين نزل بهم الأمر، ولا أحد يقدر على أن يعارض القضاء والقدر. * (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * يدور على وجه الأرض. وذكر السبب، فقال: * (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) *، أي: بقاؤهم مفسدة محضة، لهم ولغيرهم. وإنما قال نوح ذلك، لأنه مع كثرة مخالطته إياهم، ومزاولته لأخلاقهم، علم بذلك، نتيجة أعمالهم، فلهذا استجاب الله له دعوته، فأغرقهم أجمعين، ونجى نوحا ومن معه من المؤمنين. * (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل
(٨٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 884 885 886 887 888 889 890 891 892 893 894 ... » »»