تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٨٤
الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه * إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين * فليس له اليوم ها هنا حميم * ولا طعام إلا من غسلين * لا يأكله إلا الخاطئون) * هؤلاء هم أهل الشقاء، يعطون كتبهم المشتملة على أعمالهم السيئة بشمالهم، تمييزا لهم، وخزيا، وعارا، وفضيحة. فيقول أحدهم من الهم، والغم، والحزن: * (يا ليتني لم أوت كتابيه) * لأنه يبشر بدخول النار، والخساره الأبدية. * (ولم أدر ما حسابيه) *، أي: ليتني كنت نسيا منسيا، ولم أبعث وأحاسب، ولهذا قال: * (يا ليتها كانت القاضية) *، أي: يا ليت موتتي هي الموتة، التي لا بعث بعدها. ثم التفت إلى ماله وسلطانه، فإذا هو وبال عليه، لم يقدم منه لآخرته، ولا ينفعه لو افتدى به من العذاب شيئا، فيقول: * (ما أغنى عني ماليه) *، أي: ما نفعني في الدنيا، لأني لم أقدم منه شيئا، ولا في الآخرة، قد ذهب وقت نفعه. * (هلك عني سلطانيه) *، أي: ذهب واضمحل، فلم تنفع الجنود ولا الكثرة، ولا العدد ولا العدد، ولا الجاه العريض، بل ذهب كله أدراج الرياح، وفاتت بسببه المتاجر والأرباح، وحضرت بدله الهموم والغموم والأتراح. فحينئذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد: * (خذوه فغلوه) *، أي: اجعلوا في عنقه غلا يخنقه. * (ثم الجحيم صلوه) *، أي: قلبوه على جمرها ولهبها. * (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا) * من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة، * (فاسلكوه) *، أي: انظموه فيها بأن تدخل في دبره، وتخرج من فمه، ويعلق فيها. فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع، فبئس العذاب والعقاب، وواحسرة له من التوبيخ والعتاب، فإن السبب الذي أوصله إلى هذا المحل: * (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) *، بأن كان كافرا بربه، معاندا لرسله، رادا ما جاءوا به من الحق. * (ولا يحض على طعام المسكين) *، أي: ليس في قلبه رحمة، يرحم بها الفقراء والمساكين، فلا يطعمهم من ماله، ولا يحض غيره على إطعامهم، لعدم الوازع في قلبه. وذلك لأن مدار السعادة ومادتها أمران: الإخلاص لله، الذي أصله الإيمان بالله، والإحسان إلى الخلق، بجميع وجوه الإحسان، التي من أعظمها، دفع ضرورة المحتاجين، بإطعامهم ما يتقوتون به، وهؤلاء لا إخلاص ولا إحسان، فلذلك استحقوا ما استحقوا. * (فليس له اليوم ههنا) *، أي: يوم القيامة * (حميم) *، أي: قريب أو صديق، يشفع له، لينجو من عذاب الله، أو يفوز بثوابه: * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) * () * (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) *. * (ولا طعام إلا من غسلين) * وهو صديد أهل النار، الذي هو في غاية الحرارة والمرارة، ونتن الريح، وقبح الطعم. لا يأكل هذا الطعام الذميم * (إلا الخاطئون) * الذين أخطأوا الصراط المستقيم، وسلكوا كل طريق يوصلهم إلى الجحيم، فلذلك استحقوا العذاب الأليم. * (فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين * ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين * وإنه لتذكرة للمتقين * وإنا لنعلم أن منكم مكذبين * وإنه لحسرة على الكافرين * وإنه لحق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم) * أقسم تعالى، بما يبصر الخلق من جميع الأشياء، وما لا يبصرونه. فدخل في ذلك كل الخلق، بل دخل في ذلك نفسه المقدسة، على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم، وأن الرسول الكريم، بلغه عن الله تعالى. ونزه الله رسوله، عما رماه به أعداؤه، من أنه شاعر أو ساحر، وأن الذي حملهم على ذلك، عدم إيمانهم وتذكرهم، فلو آمنوا وتذكروا، علموا ما ينفعهم ويضرهم. ومن ذلك، أن ينظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم، ويرمقوا أوصافه وأخلاقه، ليروا أمرا مثل الشمس، يدلهم على أنه رسول الله حقا، وأن ما جاء به * (تنزيل من رب العالمين) *، لا يليق أن يكون قولا
(٨٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 879 880 881 882 883 884 885 886 887 888 889 ... » »»