تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٧٨
الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون * ويقولون متى ه ذا الوعد إن كنتم صادقين * قل إنما العلم عند الله وإنمآ أنا نذير مبين) * يقول تعالى مبينا أنه المعبود وحده، وداعيا عباده إلى شكره، وإفراده بالعبادة: * (قل هو الذي أنشأكم) *، أي: أوجدكم من العدم، من غير معاون له ولا مظاهر. ولما أنشأكم، كمل لكم الوجود، إذ * (جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) *، وهذه الثلاثة، هي أفضل أعضاء البدن، وأكمل القوى الجسمانية. ولكنكم مع هذا الإنعام * (قليلا ما تشكرون) * الله، قليل منكم الشاكر، وقليل منكم الشكر. * (قل هو الذي ذرأكم في الأرض) *، أي: بثكم في أقطارها، وأسكنكم في أرجائها، وأمركم، ونهاكم، وأسدى إليكم من النعم، ما به تنتفعون، ثم بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة. ولكن هذا الوعد بالجزاء، ينكره هؤلاء المعاندون * (ويقولون) * تكذيبا: * (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) *، جعلوا علامة صدقهم، أن يخبروهم بوقت مجيئه، وهذا ظلم وعناد. * (قل إنما العلم عند الله) * لا عند أحد من الخلق، ولا ملازمة بين هذا الخبر، وبين الإخبار بوقته، فإن الصدق يعرف بأدلته. وقد أقام الله من الأدلة والبراهين على صحته، ما لا يبقى معه أدنى شك، لمن ألقى السمع وهو شهيد. * (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل ه ذا الذي كنتم به تدعون * قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم * قل هو الرحم ن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين * قل أرأيتم إن أصبح مآؤكم غورا فمن يأتيكم بمآء معين) * يعني أن محل تكذيب الكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا، فإذا كان يوم الجزاء، ورأوا العذاب منهم * (زلفة) *، أي: قريبا، ساءهم ذلك، وأفظعهم، وأقلقهم، فتغيرت لذلك وجوههم، ووبخوا على تكذيبهم، وقيل: * (هذا الذي كنتم به تدعون) *. فاليوم رأيتموه عيانا، وانجلى لكم الأمر، وتقطعت بكم الأسباب، ولم يبق إلا مباشرة العذاب. ولما كان المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، الذين يردون دعوته، ينتظرون هلاكه، ويتربصون به ريب المنون، أمره الله أن يقول لهم: إنكم إن حصلت لكم أمنيتكم، وأهلكني الله ومن معي، فليس ذلك بنافع لكم شيئا، لأنكم كفرتم بآيات الله، واستحققتم العذاب، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتم وقوعه بكم؟ فإذا، تعبكم وحرصكم على هلاكي، غير مفيد ولا مجد لكم شيئا. ومن قولهم: إنهم على هدى، والرسول على الضلال، أعادوا في ذلك وأبدوا، وجادلوا عليه وقاتلوا. فأمر الله نبيه أن يخبر عن حاله، وحال أتباعه، ما به يتبين لكل أحد هداهم وتقواهم، وهو أن يقولوا: * (هو الرحمن آمنا به، وعليه توكلنا) *، والإيمان يشمل التصديق الباطن، والأعمال الباطنة والظاهرة. ولما كانت الأعمال، وجودها وكمالها، متوقفان على التوكل، خص الله التوكل من سائر الأعمال، وإلا فهو داخل في الإيمان، ومن جملة لوازمه كما قال تعالى: * (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) *. فإذا كانت هذه حال الرسول، وحال من اتبعه، وهي الحال التي تتعين للفلاح، وتتوقف عليها السعادة، وحالة أعدائه بضدها، فلا إيمان لهم ولا توكل، علم بذلك، من هو على هدى، ومن هو في ضلال مبين. ثم أخبر عن انفراده بالنعم، خصوصا الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي، فقال: * (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا) *، أي: غائرا * (فمن يأتيكم بماء معين) * تشربون منه، وتسقون أنعامكم، وأشجاركم، وزروعكم؟ وهذا استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدر أحد على ذلك، غير الله تعالى. تم تفسير سورة الملك والحمد الله. سورة القلم * (ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) * يقسم تعالى بالقلم، وهو اسم جنس شامل للأقلام، التي تكتب بها أنواع العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم. وذلك أن القلم، وما يسطر به من أنوع الكلام، من آياته العظيمة، التي تستحق أن يقسم بها، على
(٨٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 873 874 875 876 877 878 879 880 881 882 883 ... » »»