تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٧٦
للسماء، وجمالا ونورا، وهداية يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. ولا ينافي إخباره أنه زين السماء الدنيا بمصابيح، أن يكون كثير من النجوم فوق السماوات السبع، فإن السماوات شفافة، وبذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا، وإن لم تكن الكواكب فيها. * (وجعلناها) *، أي: المصابيح * (رجوما للشياطين) * الذين يريدون استراق خبر السماء. فجعل الله هذه النجوم، حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبارها، إلى الأرض، فهذه الشهب، التي ترمى من النجوم، أعدها الله في الدنيا للشياطين. * (وأعتدنا لهم في الآخرة عذاب السعير) * لأنهم تمردوا على الله، وأضلوا عباده، ولهذا كان أتباعهم من الكفار مثلهم، قد أعد الله لهم عذاب السعير، فلهذا قال: * (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير) * التي يهان أهلها، غاية الهوان. * (إذا ألقوا فيها) * على وجه الإهانة والذل * (سمعوا لها شهيقا) *، أي: صوتا عاليا فظيعا * (وهي تفور) *. * (تكاد تميز من الغيظ) *، أي: تكاد على اجتماعها أن يفارق بعضها بعضا، وتتقطع من شدة غيظها على الكفار، فما ظنك ما تفعل بهم، إذا حصلوا فيها؟ ثم ذكر توبيخ الخزنة لأهلها، فقال: * (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير) *؟ أي: حالكم هذه واستحقاقكم النار، كأنكم لم تخبروا عنها، ولم تحذركم النذر منها. * (قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء، إن أنتم إلا في ضلال كبير) *، فجمعوا بين تكذيبهم الحاضر، والتكذيب العام بكل ما أنزل الله. ولم يكفهم ذلك، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذرين وهم الهداة المهتدون، ولم يكتفوا بمجرد الضلال، بل جعلوا ضلالهم ضلالا كبيرا، فأي عناد وتكبر وظلم يشبه هذا؟ * (وقالوا) * معترفين بعدم أهليتهم للهدى والرشاد: * (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) * فنفوا عن أنفسهم طرق الهدى، وهي السمع لما أنزل الله، وجاءت به الرسل، والعقل الذي ينفع صاحبه، ويوقفه على حقائق الأشياء، وإيثار الخير، والانزجار عن كل ما عاقبته ذميمة، فلا سمع لهم ولا عقل. وهذا بخلاف أهل اليقين والعرفان، وأرباب الصدق والإيمان، فإنهم أيدوا إيمانهم بالأدلة السمعية، فسمعوا ما جاء من عند الله، وجاء به رسول الله علما ومعرفة وعملا. والأدلة العقلية: المعرفة للهدى من الضلال، والحسن من القبيح، والخير من الشر. وهم في الإيمان بحسب ما من الله عليهم به، من الاقتداء بالمعقول والمنقول، فسبحان من يختص بفضله من يشاء، ويمن على من يشاء من عباده، ويخذل من لا يصلح للخير. قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار، المعترفين بظلمهم وعنادهم: * (فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير) *، أي: بعدا لهم وخسارة وشقاء. فما أشقاهم وأرداهم، حيث فاتهم ثواب الله، وكانوا ملازمين للسعير، التي تستعر في أبدانهم، وتطلع على أفئدتهم * (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) * لما ذكر حالة الأشقياء الفجار، ذكر وصف الأبرار السعداء، فقال: * (إن الذين يخشون ربهم بالغيب) *، أي: في جميع أحوالهم، حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا الله، فلا يقدمون على معاصيه، ولا يقصرون عما أمرهم به. * (لهم مغفرة) * لذنوبهم، وإذا غفر الله ذنوبهم، وقاهم شرها، ووقاهم عذاب الجحيم. * (وأجر كبير) * هو ما أعده لهم في الجنة، من النعيم المقيم، والملك الكبير، واللذات المتواصلات، والقصور والمنازل العاليات، والحور الحسان، والخدم، والولدان. وأعظم من ذلك وأكبر رضا الرحمن الذي يحله على ساكني الجنان. * (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) * هذا إخبار من الله بسعة علمه، وشمول لطفه، فقال: * (وأسروا قولكم أو اجهروا به) *، أي: كلاهما سواء لديه، لا يخفى عليه منهما خافية. * (إنه عليم بذات الصدور) *، أي: بما فيها من النيات، والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال، التي تسمع وترى؟ ثم قال مستدلا بدليل عقلي على علمه: * (ألا يعلم من خلق) *، فمن خلق الخلق وأتقنه، وأحسنه، كيف لا يعلمه؟ * (وهو اللطيف الخبير) * الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا والخفايا، والغيوب * (وهو الذي يعلم السر
(٨٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 871 872 873 874 875 876 877 878 879 880 881 ... » »»