تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٧٥
بغيا. * (فلم يغنيا) *، أي: نوح ولوط * (عنهما) *، أي: عن امرأتيهما * (من الله شيئا وقيل لهما ادخلا النار مع الداخلين) *. * (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) * وهي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها، * (إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) *. فوصفها الله بالإيمان والتضرع لربها، وسؤالها أجل المطالب، وهو دخول الجنة، ومجاورة الرب الكريم، وسؤالها أن ينجيها من فتنة فرعون وأعماله الخبيثة، ومن فتنه كل ظالم. فاستجاب الله لها، فعاشت في إيمان كامل، وثبات تام، ونجاة من الفتن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام). وقوله: * (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) *، أي: حفظته وصانته عن الفاحشة، لكمال ديانتها، وعفتها، ونزاهتها. * (فنفخنا فيه من روحنا) *، بأن نفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها، فوصلت نفخته إلى مريم، فجاء منها عيسى عليه السلام، الرسول الكريم والسيد العظيم. * (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) *، وهذا وصف لها بالعلم والمعرفة، فإن التصديق بكلمات الله، يشمل كلماته الدينية والقدرية. والتصديق بكتبه، يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والعمل، ولهذا قال: * (وكانت من القانتين) *، أي: المداومين على طاعة الله، بخشية وخشوع. وهذا وصف لها بكمال العمل، فإنها رضي الله عنها صديقة، والصديقية هي: كمال العلم والعمل. تم تفسير سورة التحريم بعون الله وتيسير. سورة الملك * (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور * الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحم ن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) * * (تبارك الذي بيده الملك) *، أي: تعاظم وتعالى، وكثر خيره، وعم إحسانه. من عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه، ويتصرف فيه بما شاء، من الأحكام القدرية، والأحكام الدينية، التابعة لحكمته. * (وهو على كل شيء قدير) *، أي: ومن عظمته، كمال قدرته، التي يقدر بها على كل شيء، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقت العظيمة، كالسماوات والأرض. * (الذي خلق الموت والحياة) * أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم. * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) *، أي: أخلصه وأصوبه، وذلك أن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينتقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء. * (وهو العزيز) * الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات. * (الغفور) * عن المسيئين، والمقصرين، والمذنبيين، خصوصا إذا تابوا وأنابوا. فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا. * (الذي خلق سبع سماوات طباقا) *، أي: كل واحدة فوق الأخرى، ولسن طبقة واحدة، وخلقها في غاية الحسن والإتقان * (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) *، أي: خلل ونقص. وإذا انتفى النقص من كل وجه، وصارت حسنة كاملة، متناسبة من كل وجه، في لونها وهيئتها، وارتفاعها، وما فيها من الشمس، والكواكب النيرات، الثوابت منهن والسيارات. ولما كان كمالها معلوما، أمر الله تعالى بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها، فقال: * (فارجع البصر) *، أي: أعده إليها، ناظرا معتبرا * (هل ترى من فطور) *، أي: نقص واختلال. * (ثم ارجع البصر كرتين) * المراد بذلك: كثرة التكرار * (ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) *، أي: عاجزا عن أن يرى خللا أو فطورا، ولو حرص غاية الحرص. ثم صرح بذكر حسنها، فقال: * (ولقد زينا السماء) *، إلى: * (لأصحاب السعير) *. * (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير * وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير * إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتهآ ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جآءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير * وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير) * * (ولقد زينا) *، أي: ولقد جملنا * (السماء الدنيا) * التي ترونها وتليكم. * (بمصابيح) * وهي النجوم، على اختلافها في النور والضياء، فإنه لولا ما فيها من النجوم، لكانت سقفا مظلما، لا حسن فيه ولا جمال. ولكن جعل الله هذه النجوم زينة
(٨٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 870 871 872 873 874 875 876 877 878 879 880 ... » »»