ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، ولا يرجى منه فلاح، له زنمة، أي: علامة في الشر يعرف بها. وحاصل هذا، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب، خسيس النفس، سيىء الأخلاق، خصوصا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، والتكبر على الحق وعلى الخلق، والاحتقار للناس، بالغيبة والنميمة، والطعن فيهم، وكثرة المعاصي. وهذه الآيات وإن كانت نزلت في بعض المشركين كالوليد بن المغيرة أو غيره، لقوله عنه: * (أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) * أي: لأجل كثرة ماله وولده، طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة أساطير الأولين، التي يمكن صدقها وكذبها. فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم. وربما نزل بعض الآيات في سبب شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة. ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله، بأن الله سيسمه على الخرطوم في العذاب، ويعذبه عذابا ظاهرا، يكون عليه سمة وعلامة، في أشق الأشياء عليه، وهو وجهه. * (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) * يقول تعالى: إنا بلونا هؤلاء المكذبين بالخير، وأمهلناهم، وأمددناهم بما شئنا من مال وولد وطول عمر، ونحو ذلك، مما يوافق أهواءهم، لا لكرامتهم علينا، بل ربما يكون استدراجا لهم، من حيث لا يعلمون. فاغترارهم بذلك، نظير اغترار أصحاب الجنة، الذي هم فيها شركاء، حين أينعت أشجارها، وزهت ثمارها، وآن وقت صرامها، وجزموا أنها في أيديهم، وطوع أمرهم، وأنه ليس ثم مانع يمنعهم منها. ولهذا أقسموا وحلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها، أي: يجذونها مصبحين. ولم يدروا أن الله بالمرصاد، وأن العذاب سيخلفهم عليها، ويبادرهم إليها. * (فطاف عليها طائف من ربك) *، أي: عذاب نزل عليها ليلا * (وهم نائمون) *، فأبادها، وأتلفها * (فأصبحت كالصريم) *، أي: كالليل المظلم، وذهبت الأشجار والثمار، هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم، ولهذا تنادوا فيها بينهم لما أصبحوا، يقول بعضهم لبعض: * (أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا) * قاصدين لها * (وهم يتخافتون) * فيما بينهم بمنع حق الله تعالى، ويقولون: * (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين) *، أي: بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء والمساكين. ومن شدة حرصهم وبخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء. * (وغدوا) * في هذه الحالة الشنيعة، والقسوة، وعدم الرحمة * (على حرد قادرين) *، أي: على إمساك ومنع لحق الله، جازمين بقدرتهم عليها. * (فلما رأوها) * على الوصف الذي ذكر الله كالصريم، * (قالوا) * من الحيرة والانزعاج: * (إنا لضالون) *، أي: تائهون عنها، لعلها غيرها. فلما تحققوها، ورجعت إليهم عقولهم، قالوا: * (بل نحن محرومون) * منها، فعرفوا حينئذ أنه عقوبة. * (قال أوسطهم) *، أي: أعدلهم، وأحسنهم طريقة: * (ألم أقل لكم لولا تسبحون) *، أي: تنزهون الله عما لا يليق به، ومن ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فلو استثنيتم، وقلتم: (إن شاء الله) وجعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئته، ما جرى عليكم ما جرى. * (قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين) *، أي: استدركوا بعد ذلك، ولكن بعدما وقع على جنتهم العذاب، الذي لا يرفع. ولكن لعل تسبيحهم هذا، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة، ولهذا ندموا ندامة عظيمة. * (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) * فيما أجروه وفعلوه، * (قالوا يا ويلنا إن كنا طاغين) *، أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده. * (عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون) * فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرا منها، ووعدوا أنهم سيرغبون إلى الله، ويلحون عليه في الدنيا. فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرا منها لأن من دعا الله صادقا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله. قال تعالى معظما ما وقع: * (كذلك العذاب) *، أي: الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلبه الله الشيء الذي طغى به وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأن يزيله عنه، أحوج ما يكون إليه. * (ولعذاب الآخرة أكبر) * من عذاب الدنيا * (لو كانوا يعلمون) *، فإن من علم ذلك، أوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العقاب، ويحرم الثواب. * (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) * يخبر تعالى بما أعده للمتقين الكفر والمعاصي، من أنواع
(٨٨٠)