تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٧٤
الوصف منطبقا عليهن، فصرن أفضل نساء المؤمنين. * (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * أي: يا من من الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه. ف * (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) * موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، امتثالا، ونهيه اجتنابا، والتوبة عما يسخط الله، ويوجب العذاب. ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله. فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيمن تحت ولايته وتصرفه. ووصف الله النار بهذه الأوصاف، ليزجر عباده عن التهاون بأمره، فقال: * (وقودها الناس والحجارة) *، كما قال تعالى: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) *. * (عليها ملائكة غلاظ شداد) *، أي: غليظة أخلاقهم، شديد انتصارهم يفزعون بأصواتهم ويزعجون بمرآهم، ويهينون أصحاب النار بقوتهم، وينفذون فيهم أمر الله، الذي حتم عليهم بالعذاب، وأوجب عليهم شدة العقاب. * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * وهذا فيه أيضا مدح للملائكة الكرام، وانقيادهم لأمر الله، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به. * (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) * أي: يوبخ أهل النار يوم القيامة بهذا التوبيخ، فيقال لهم: * (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم) *، أي: فإنه ذهب وقت الاعتذار، وزال نفعه، فلم يبق الآن إلا الجزاء على الأعمال. وأنتم لم تقدموا إلا الكفر بالله، والتكذيب بآياته ومحاربة رسله وأوليائه. * (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنآ أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) * قد أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية، ووعد عليها بتكفير السيئات، ودخول الجنات، والفوز والفلاح، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة، بنور إيمانهم، ويمشون بضيائه، ويتمتعون بروحه وراحته، ويشفقون إذا طفئت الأنوار، التي تعطى المنافقين، ويسألون الله، أن يتم لهم نورهم فيستجيب الله دعوتهم، ويوصلهم بما معهم من النور واليقين، إلى جنات النعيم، وجوار الرب الكريم، وكل هذا، من آثار التوبة النصوح. والمراد بها: التوبة العامة الشاملة لجميع الذنوب، التي عقدها العبد لله، لا يريد بها إلا وجه الله، والقرب منه، ويستمر عليها في جميع أحواله. * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) * يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين، والإغلاظ عليهم في ذلك، وهذا شامل لجهادهم بإقامة الحجة عليهم، ودعوتهم بالموعظة الحسنة، وإبطال ما هم عليه من أنواع الضلال، وجهادهم بالسلاح والقتال، لمن أبى أن يجيب دعوة الله، وينقاد لحكمه، فإن هذا، يجاهد ويغلظ عليه. وأما المرتبة الأولى، فتكون بالتي هي أحسن. فالكفار والمنافقون، لهم عذاب في الدنيا، بتسليط الله لرسوله، وحزبه عليهم، وعلى جهادهم، وعذاب النار في الآخرة وبئس المصير، الذي يصير إليه كل شقي خاسر. * (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنينا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين * وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين * ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) * هذان المثلان، اللذان ضربهما الله للمؤمنين والكافرين، ليبين لهم أن اتصال الكافر بالمؤمن، وقربه منه، لا يفيده شيئا، وأن اتصال المؤمن بالكافر، لا يضره شيئا، مع قيامه بالواجب عليه. فكأن في ذلك، إشارة وتحذيرا لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، عن المعصية، وأن اتصالهن به صلى الله عليه وسلم لا ينفعهن شيئا مع الإساءة، فقال: * (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا) *، أي: المرأتان * (تحت عبدين من عبادنا صالحين) * وهما نوح، ولوط، عليهما السلام. * (فخانتاهما) * في الدين، بأن كانتا على غير دين زوجيهما، وهذا هو المراد بالخيانة، لا خيانة النسب والفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، وما كان الله ، ليجعل امرأة أحد من أنبيائه
(٨٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 869 870 871 872 873 874 875 876 877 878 879 ... » »»