* (تبتغي) * بذلك التحريم * (مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) *. هذا تصريح بأن الله قد غفر لرسوله، ورفع عنه اللوم، ورحمه، وصار ذلك التحريم الصادر منه سببا لشرع حكم عام لجميع الأمة، فقال تعالى: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) *، وهذا عام في جميع أيمان المؤمنين، أي: قد شرع لكم، وقدر ما به تنحل أيمانكم قبل الحنث، وما به تتكفر بعد الحنث. وذلك كما في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * إلى أن قال: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) *. فكل من حرم حلالا عليه، من طعام أو شراب، أو سرية، أو حلق يمينا بالله، على فعل أو ترك، ثم حنث، وأراد الحنث، فعليه هذه الكفارة المذكورة. وقوله: * (والله مولاكم) *، أي: متولي أموركم، ومربيكم أحسن تربية، في أمر دينكم ودنياكم، وما به يندفع عنكم الشر، فلذلك فرض لكم تحلة أيمانكم، لتبرأ ذممكم. * (وهو العليم الحكيم) * الذي أحاط علمه بظواهركم وبواطنكم، وهو الحكيم في جميع ما خلقه وحكم به. فلذلك شرع لكم من الأحكام، ما يعلم أنه موافق لمصالحكم، ومناسب لأحوالكم. وقوله: * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) * قال كثير من المفسرين: هي حفصة، أم المؤمنين رضي الله عنها، أسر لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثا، وأمر أن لا تخبر به أحدا، فحدثت به عائشة رضي الله عنهما. وأخبره الله بذلك الخبر، الذي أذاعته، فعرفها صلى الله عليه وسلم، ببعض ما قالت، وأعرض عن بعضه، كرما منه صلى الله عليه وسلم، وحلما. * (قالت) * له: * (من أنبأك هذا) * الخبر الذي لم يخرج منا؟ * (قال نبأني العليم الخبير) * الذي لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى. وقوله: * (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) * الخطاب للزوجتين الكريمتين حفصة وعائشة رضي الله عنهما، كانتا سببا لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما يحبه. فعرض الله عليهما التوبة، وعاتبهما على ذلك، وأخبرهما أن قلوبكما قد صغت، أي: مالكت وانحرفت عما ينبغي لهن، من الورع والأدب، مع الرسول صلى الله عليه وسلم، واحترامه، وأن لا يشققن عليه. * (وإن تظاهرا عليه) *، أي: تعاونا على ما يشق عليه، ويستمر هذا الأمر منكن. * (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) *، أي: الجميع أعوان للرسول، مظاهرون له، ومن كان هؤلاء أنصاره، فهو المنصور، وغيره إن يناوئه فهو مخذول. وفي هذا أكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين، حيث جعل الباري نفسه الكريمة، وخواص خلقه، أعوانا لهذا الرسول الكريم. وفيه من التحذير للزوجتين الكريمتين ما لا يخفى. ثم خوفهما أيضا، بحالة تشق على النساء غاية المشقة، وهو الطلاق، الذي هو أكبر شيء عليهن، فقال: * (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) *، أي: فلا تترفعن عليه، فإنه لو طلقكن، لا يضيق عليه الأمر، ولم يكن مضطرا إليكن، فإنه سيجد، ويبدله الله أزواجا خيرا منكن، دينا وجمالا، وهذا من باب التعليق الذي لم يوجد، ولا يلزم وجوده. فإنه ما طلقهن، ولو طلقهن، لكان ما ذكره الله من هذه الأزواج الفاضلات. * (مسلمات مؤمنات) * جامعات بين الإسلام، وهو القيام بالشرائع الظاهرة، والإيمان، وهو: القيام بالشرائع الباطنة، من العقائد وأعمال القلوب. * (قانتات) * والقنوت هو: دوام الطاعة واستمرارها، * (تائبات) * عما يكرهه الله، فوصفهن بالقيام بما يحبه الله، والتوبة عما يكرهه الله. * (ثيبات وأبكارا) *، أي: بعضهن ثيب، وبعضهن أبكار، ليتنوع صلى الله عليه وسلم فيما يحب. فلما سمعن رضي الله عنهن هذا التخويف والتأديب، بادرن إلى رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هذا
(٨٧٣)