والشقاء، وهو الإيمان به، وبرسوله، وبكتابه. وسماه الله نورا، لأن النور ضد الظلمة، فما في الكتاب الذي أنزله الله من الأحكام والشرائع والأخبار، أنوار يهتدى بها في ظلمات الجهل المدلهمة، ويمشى بها في حندس الليل البهيم. وما سوى الاهتداء بكتاب الله، فهي علوم، ضررها أكثر من نفعها، وشرها أكثر من خيرها. بل لا خير فيها ولا نفع، إلا ما وافق ما جاءت به الرسل. والإيمان بالله ورسوله وكتابه، يقتضي الجزم التام، واليقين الصادق بها، والعمل بمقتضى ذلك التصديق، من امتثال الأوامر، واجتناب النواهي. * (والله بما تعلمون خبير) * فيجازيكم بأعمالكم، الصالحة والسيئة. * (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا ذلك الفوز العظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أول ئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير * ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم * وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين * الله لا إل ه إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * يعني: اذكروا يوم الجمع الذي يجمع الله به الأولين والآخرين، ويقفهم موقفا هائلا عظيما، وينبئهم بما عملوا. فحينئذ يظهر الفرق والتغابن بين الخلائق، ويرفع أقوام إلى أعلى عليين، في الغرف العاليات، والمنازل المرتفعات، المشتملة على جميع اللذات والشهوات. ويخفض أقوام إلى أسفل سافلين، محل الهم والغم، والحزن والعذاب الشديد، وذلك نتيجة ما قدموه لأنفسهم، وأسلفوه أيام حياتهم، ولهذا قال: * (ذلك يوم التغابن) *. أي: يظهر فيه التغابن، والتفاوت بين الخلائق، ويغبن المؤمنون الفاسقين، ويعرف المجرمون، أنهم على غير شيء، وأنهم هم الخاسرون، فكأنه قيل: بأي شيء يحصل الفلاح والشقاء والنعيم والعذاب؟ فذكر أسباب ذلك بقوله: * (ومن يؤمن بالله) * إيمانا تاما، شاملا لجميع ما أمر الله بالإيمان به. * (ويعمل صالحا) * من الفرائض والنوافل، من أداء حقوق الله وحقوق عباده. * (يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) *، فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وتختاره الأرواح، وتحن إليه القلوب، ويكون نهاية كل مرغوب. * (خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) *. * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) *، أي: كفروا بها، من غير مستند شرعي ولا عقلي. بل جاءتهم الأدلة والبينات، فكذبوا بها وعاندوا، ما دلت عليه. * (أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير) * لأنها جمعت كل بؤس وشدة، وشقاء وعذاب. يقول تعالى: * (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله) * هذا عام لجميع المصائب، في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم. فجميع ما أصاب العباد، بقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك، علم الله، وجرى به قلمه، ونفذت مشيئته، واقتضته حكمته، ولكن الشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بالوظيفة، التي عليه في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها، فله الثواب الجزيل، والأجر الجميل، في الدنيا والآخرة. فإذا آمن أنها من عند الله، فرضي بذلك، وسلم لأمره، هدى الله قلبه، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، كما يجري ممن لم يهد الله قلبه، بل يرزقه الثبات عند ورودها والقيام بموجب الصبر فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخر له يوم الجزاء من الأجر العظيم، كما قال تعالى: * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) *. وعلم من ذلك، أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره، بل وقف مع مجرد الأسباب، أنه يخذل، ويكله الله إلى نفسه. وإذا وكل العبد إلى نفسه، فالنفس ليس عندها إلا الهلع والجزع، الذي هو عقوبة عاجلة على العبد، قبل عقوبة الآخرة، على ما فرط في واجب الصبر. هذا ما يتعلق بقوله: * (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) *، في مقام المصائب الخاص. وأما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي، فإن الله أخبر أن كل من آمن، أي: الإيمان المأمور به، وهو الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. وصدق إيمانه، بما يقتضيه الإيمان من لوازمه وواجباته، أن هذا السبب الذي قام به العبد، أكبر سبب لهداية الله له في أقواله وأفعاله، وجميع أحواله وفي علمه وعمله. وهذا أفضل جزاء، يعطيه الله لأهل الإيمان، كما قال تعالى مخبرا أنه يثبت المؤمنين في الحياة الدنيا، وفي الأخرة. وأصل الثبات: ثبات القلب وصبره، ويقينه عند ورود كل فتنة، فقال: * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) *، فأهل الإيمان، أهدى الناس قلوبا، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات، وذلك لما معهم من الإيمان. وقوله: * (وأطيعوا
(٨٦٧)