تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٧٠
للنفقة، والنفقة تجب للرجعية دون البائن. * (وتلك حدود الله) *، أي: التي حدها لعباده وشرعها لهم، وأمرهم بلزومها، والوقوف معها. * (ومن يتعد حدود الله) * بأن لم يقف معها، بل تجاوزها، أو قصر عنها. * (فقد ظلم نفسه) *، أي: بخسها حقها، وأضاع نصيبه من اتباع حدود الله التي هي الصلاح في الدنيا والآخرة. * (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) *، أي: شرع الله العدة، وحدد الطلاق بها، لحكم عظيمة. فمنها: أنه لعل الله يحدث في قلب المطلق الرحمة والمودة، فيراجع من طلقها، ويستأنف عشرتها، فيتمكن من ذلك (من معرفة) مدة العدة، ولعله يطلقها لسبب منها، فيزول ذلك السبب، في مدة العدة، فيراجعها، لانتفاء سبب الطلاق. ومن الحكم: أنها مدة التربص، يعلم براءة رحمها من زوجها. وقوله: * (فإذا بلغن أجلهن) *، أي: قاربن انقضاء العدة، لأنهن لو خرجن من العدة، لم يكن الزوج مخيرا بين الإمساك والفراق. * (فأمسكوهن بمعروف) *، أي؛ على وجه المعاشرة الحسنة، والصحبة الجميلة، لا على وجه الضرر، وإرادة الشر والحبس، فإن إمساكها على هذا الوجه لا يجوز. * (أو فارقوهن بمعروف) *، أي: فراقا لا محذور فيه، من غير تشاتم ولا تخاصم، ولا قهر لها، على أخذ شيء من مالها. * (وأشهدوا) * على طلاقها ورجعتها * (ذوي عدل منكم) *.، أي: رجلين مسلمين عدلين، لأن في الإشهاد المذكور، سدا لباب المخاصمة، وكتمان كل منهما، ما يلزم بيانه. * (وأقيموا) * أيها الشهداء * (الشهادة لله) *، أي: ائتوا بها على وجهها، من غير زيادة ولا نقص. واقصدوا بإقامتها، وجه الله تعالى، ولا تراعوا بها قريبا لقرابته، ولا صاحبا لمحبته. * (ذلكم) * الذي ذكرنا لكم من الأحكام والحدود * (يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) * فإن الإيمان بالله، واليوم الآخر، يوجب لصاحبه أن يتعظ بمواعظ الله، وأن يقدم لآخرته من الأعمال الصالحة، ما يتمكن منها. بخلاف من ترحل الإيمان من قبله، فإن لا يبالي بما أقدم عليه من الشر، ولا يعظم مواعظ الله، لعدم الموجب لذلك. ولما كان الطلاق، قد يوقع في الضيق والكرب والغم، أمر تعالى بتقواه ووعد من اتقاه في الطلاق وغيره بأن يجعل له فرجا ومخرجا. فإذا أراد العبد الطلاق، ففعله على الوجه الشرعي، بأن أوقعه طلقة واحدة، في غير حيض ولا طهر أصابها فيه، فإنه لا يضيق عليه الأمر، بل جعل الله له فرجا وسعة، يتمكن بها من الرجوع إلى النكاح، إذا ندم على الطلاق. والآية، وإن كانت في سياق الطلاق والرجعة، فإن العبرة بعموم اللفظ، فكل من اتقى الله، ولازم مرضاته في جميع أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة. ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجا ومخرجا من كل شدة ومشقة. وكما أن من اتقى الله، جعل له فرجا ومخرجا، فمن لم يتق الله، يقع في الآصار والأغلال، التي لا يقدرون على التخلص منها، والخروج من تبعتها. واعتبر ذلك في الطلاق، فإن العبد إذا لم يتق الله فيه، بل أوقعه، على الوجه المحرم، كالثلاث ونحوها، فإنه لا بد أن يندم ندامة، لا يتمكن من استدراكها، والخروج منها. وقوله: * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) *، أي: يسوق الله الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه، ولا يشعر به. * (ومن يتوكل على الله) * في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه، ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك * (فهو حسبه) *، أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه فيه. وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي، العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء. ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له، فلهذا قال تعالى: * (إن الله بالغ أمره) *، أي: لا بد من نفوذ قضائه وقدره. ولكن * (قد جعل الله لكل شيء قدرا) *، أي: وقتا ومقدارا، لا يتعداه، ولا يقصر عنه. * (واللائي يئسن من المحيض من نسآئكم إن ارتبتم فعدتهن
(٨٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 865 866 867 868 869 870 871 872 873 874 875 ... » »»