تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٧٢
ووجب عليها، وأجبرت إن امتنعت، وكان لها أجرة المثل، إن لم يتفقا على مسمى. وهذا مأخوذ من الآية الكريمة من حيث المعنى، فإن الولد، لما كان في بطن أمه مدة الحمل، لا خروج له منه، عين تعالى على وليه النفقة. فلما ولد، وكان يتمكن أن يتقوت من أمه، ومن غيرها، أباح تعالى الأمرين، فإذا كان بحالة، لا يمكن أن يتقوت إلا من أمه، كان بمنزلة الحمل، وتعينت أمه طريقا لقوته. ثم قدر تعالى النفقة، بحسب حال الزوج، فقال: * (لينفق ذو سعة من سعته) *، أي: لينفق الغني من غناه، فلا ينفق نفقة الفقراء. * (ومن قدر عليه رزقه) *، أي: ضيق عليه * (فلينفق مما آتاه الله) * من الرزق. * (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) * وهذا مناسب للحكمة والرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه، وخفف عن المعسر، وأنه لا يكلفه إلا ما آتاه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، في باب النفقة وغيرها. * (سيجعل الله بعد عسر يسرا) *، وهذه بشارة للمعسرين، أن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة، ويرفع عنهم المشقة، * (فإن مع العسر يسرا) *. * (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا * أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يأولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا قد أحسن الله له رزقا * الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) * يخبر تعالى عن إهلاكه الأمم العاتية، والقرون المكذبة للرسل، وأن كثرتهم وقوتهم، لم تغن عنهم شيئا، حين جاءهم الحساب الشديد، والعذاب الأليم، وأن الله أذاقهم من العذاب ما هو موجب أعمالهم السيئة. ومع عذاب الدنيا، فإن الله أعد لهم في الآخرة عذابا شديدا. * (فاتقوا الله يا أولي الألباب) *، أي: يا ذوي العقول، التي تفهم عن الله آياته وعبره، وأن الذي أهلك القرون الماضية بتكذيبهم، أن من بعدهم مثلهم، لا فرق بين الطائفتين. ثم ذكر عباده المؤمنين، بما أنزل عليهم من كتابه، الذين أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ليخرج الخلق من ظلمات الجهل والكفر والمعصية، إلى نور العلم والإيمان والطاعة. فمن الناس من آمن به، ومنهم من لم يؤمن به. * (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا) * من الواجبات والمستحبات. * (يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) * فيها من النعيم المقيم، ما لا عين رأيت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. * (خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا) *، أي: ومن لم يؤمن بالله ورسوله، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. ثم أخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض، ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن، وأنزل الأمر وهو: الشرائع والأحكام الدينية، التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظمهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية، التي يدبر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، وإحاطة علمه بجميع الأشياء. فإذا عرفوه بأسمائه الحسنى وأوصافه المقدسة، عبدوه، وأحبوه، وقاموا بحقه، فهذه هي الغاية المقصودة من الخلق والأمر: معرفة الله وعبادته. فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك، الظالمون المعرضون. تم تفسير سورة الطلاق والحمد لله. سورة التحريم * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك ه ذا قال نبأني العليم الخبير * إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) * هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حين حرم على نفسه سريته (مارية) أو شرب العسل، مراعاة لخاطر بعض زوجاته، في قصة معروفة. فأنزل الله هذه الآيات * (يا أيها النبي) *، أي: يا أيها الذي أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة والوحي * (لم تحرم ما أحل الله لك) * من الطيبات التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك.
(٨٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 867 868 869 870 871 872 873 874 875 876 877 ... » »»