نداء الجمعة، وتحريم ذلك، وما ذاك إلا أن يفوت الواجب ويشغل عنه. فدل ذلك على أن كل أمر، وإن كان مباحا في الأصل، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب، فإنه لا يجوز في تلك الحال. ومنها: الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة، وذم من لم يحضرهما، ومن لازم ذلك الإنصات لهما. ومنها: أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله، وقت دواعي النفس لحضور اللهو والتجارات والشهوات أن يذكرها، بما عند الله من الخيرات، وما لمؤثر رضاه على هواه. تم تفسير سورة الجمعة، بمنى الله وعونه والحمد لله رب العالمين سورة المنافقون * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون * وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون * وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون * سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الف سقين) * لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكثر الإسلام فيها وعز، صار أناس من أهلها، من الأوس والخزرج، يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر، ليبقى جاههم، وتحقن دماؤهم، وتسلم أموالهم. فذكر الله من أوصافهم ما به يعرفون، لكي يحذرهم العباد، ويكونوا منهم على بصيرة، فقال: * (إذا جاءك المنافقون قالوا) * على وجه الكذب: * (نشهد إنك لرسول الله) *، وهذه الشهادة من المنافقين على وجه الكذب والنفاق، مع أنه لا حاجة لشهادتهم في تأييد رسوله. * (والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) * في قولهم ودعواهم، وأن ذلك ليس بحقيقة منهم. * (اتخذوا أيمانهم جنة) *، أي: ترسا يتترسون بها، من نسبتهم إلى النفاق. * (فصدوا عن سبيل الله) * بأنفسهم، وصدوا غيرهم ممن يخفى عليه حالهم. * (إنهم ساء ما كانوا يعملون) * حيث أظهروا الإيمان، وأبطنوا الكفر، وأقسموا على ذلك، وأوهموا صدقهم. * (ذلك) * الذي زين لهم النفاق * (ب) * سبب * (إنهم) * لا يثبتون على الإيمان. بل * (آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم) * بحيث لا يدخلها الخير أبدا. * (فهم لا يفقهون) * ما ينفعهم، ولا يعون ما يعود بمصالحهم. * (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) * من روائها، ونضارتها. * (وإن يقولوا تسمع لقولهم) *، أي: من حسن منطقهم، تستلذ لاستماعه. فأجسامهم وأقوالهم معجبة، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة، والهدى الصالح، شيء، ولهذا قال: * (كأنهم خشب مسندة) * لا منفعة فيها، ولا ينال منها إلا الضرر المحض. * (يحسبون كل صيحة عليهم) * وذلك لجبنهم وفزعهم، وضعف قلوبهم وريبها، يخافون أن يطلع عليها. فهؤلاء * (هم العدو) * على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من العدو، الذي لا يشعر به، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه ولي، وهو العدو المبين. * (فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) *، أي: كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته، واتضحت معالمه، إلى الكفر الذي لا يفيدهم، إلا الخسار والشقاء. * (وإذا قيل لهم) *، أي: لهؤلاء المنافقين * (تعالوا يستغفر لكم رسوله الله) * عما صدر منكم، لتحسن أحوالكم، وتقبل أعمالكم، امتنعوا من ذلك أشد الامتناع. * (لووا رؤوسهم) * امتناعا من طلب الدعاء من الرسول. * (ورأيتهم يصدون) * عن الحق، بغضا له * (وهم مستكبرون) * عن اتباعه بغيا وعنادا. فهذه حالهم، عندما يدعون إلى طلب الدعاء من الرسول، وهذا من لطف الله وكرامته لرسوله، حيث لم يأتوا إليه، فيستغفر لهم. فإنه
(٨٦٤)