ثلاثة أشهر واللاتي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا * ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) * لما ذكر تعالى، أن الطلاق المأمور به، يكون لعدة النساء، ذكر العدة، فقال: * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم) * بأن كن يحضن، ثم ارتفع حيضهن، لكبر أو غيره، ولم يرج رجوعه * (فعدتهن ثلاثة أشهر) * جعل كل شهر، مقابله حيضة. * (واللائي لم يحضن) *، أي: الصغار اللائي لم يأتهن الحيض بعد، أو البالغات، اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية، فإنهن كالآيسات، عدتهن ثلاثة أشهر. وأما اللائي يحضن، فذكر الله عدتهن في قوله: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * (وقوله) * (وأولات الأحمال أجلهن) *، أي: عدتهن * (أن يضعن حملهن) *، أي: جميع ما في بطونهن، من واحد، ومتعدد، ولا عبرة حينئذ بالأشهر ولا غيرها. * (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) * أي: من اتقى، يسر له الأمور، وسهل عليه كل عسير. * (ذلك) *، أي: الحكم الذي بينه الله لكم * (أمر الله أنزله إليكم) * لتمشوا عليه، وتأتموا به، وتعظموه. * (من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) *، أي: يندفع عنه المحذور، ويحصل له المطلوب. * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضآروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى * لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممآ آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) * تقدم أن الله نهى عن إخراج المطلقات من البيوت، وهنا أمر بإسكانهن وقدر إسكانهن بالمعروف، وهو البيت الذي يسكنه مثله ومثلها، بحسب وجد الزوج وعسره. * (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) *، أي: لا تضاروهن، عند سكناهن بالقول أو الفعل، لأجل أن يمللن، فيخرجن من البيوت، قبل تمام العدة، فتكونوا أنتم المخرجين لهن. وحاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن، ونهاهن عن الخروج، وأمر بسكناهن، على وجه لا يحصل به عليهن ضرر ولا مشقة، وذلك راجع إلى العرف. * (وإن كن) *، أي: المطلقات * (أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * وذلك لأجل الحمل الذي في بطنها، إن كانت بائنا. ولها ولحملها، إن كانت رجعية ومنتهى النفقة، إلى وضع الحمل، فإذا وضعن حملهن، فإما أن يرضعن أولادهن، أو لا. * (فإن رضعن لكم فآتوهن أجورهن) * المسماة لهن، إن كان مسمى، وإلا فأجر المثل. * (وائتمروا بينكم بمعروف) *، أي: وليأمر كل واحد من الزوجين وغيرهما، الآخر بالمعروف، وهو كل ما فيه منفعة ومصلحة في الدنيا والآخرة، فإن الغفلة عن الائتمار بالمعروف، يحصل فيها من الضرر والشر، ما لا يعلمه إلا الله، وفي الائتمار به تعاون على البر والتقوى. ومما يناسب هذا المقام، أن الزوجين عند الفراق وقت العدة، خصوصا إذا ولد بينهما ولد، في الغالب يحصل من التنازع والتشاجر لأجل النفقة عليها وعلى الولد مع الفراق، الذي لا يحصل في الغالب إلا مقرونا بالبغض، فيتأثر من ذلك شيء كثير. فكل منهما يؤمر بالمعروف، والمعاشرة الحسنة، وعدم المشاقة والمنازعة، وينصح على ذلك. * (وإن تعاسرتم) * بأن لم يتفق الزوجان على رضاعها لولدها. * (فسترضع له أخرى) * (غيرها) * (ولا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) *. وهذا حيث كان الولد يقبل ثدي غير أمه، فإن لم يقبل إلا ثدي أمه، تعينت لإرضاعه،
(٨٧١)