ذلك، فيكله إلى نفسه، ويخذله، فيضل عن سبيل الله، ولهذا قال تعالى: * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) * فيضع فضله حيث يعلم المحل اللائق به. * (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى * الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) * يخبر تعالى أنه مالك الملك، المنفرد بملك الدنيا والآخرة، وأن جميع ما فيهما ملك لله، يتصرف فيهم تصرف الملك العظيم، في عبيده ومماليكه، ينفذ فيهم قدره، ويجري عليهم شرعه، ويأمرهم وينهاهم، ويجزيهم على ما أمرهم به، ونهاهم عنه، فيثيب المطيع، ويعاقب العاصي. * (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا) * من سيئات الكفر فما دونه من المعاصي، وبما عملوه من أعمال الشر بالعقوبة الفظيعة. * (ويجزي الذين أحسنوا) * في عبادة الله تعالى، وأحسنوا إلى خلق الله، بأنواع المنافع * (بالحسنى) *، أي: بالحالة الحسنة في الدنيا والآخرة. وأكبر ذلك وأجله رضا ربهم، والفوز بالجنة، وما فيها من النعيم. ثم ذكر وصفهم فقال: * (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) *، أي: يفعلون ما أمرهم الله به، من الواجبات، التي يكون تركها من كبائر الذنوب، ويتركون المحرمات الكبار، من الزنا، وشرب الخمر، وأكل الربا، والقتل، ونحو ذلك من الذنوب العظيمة. * (إلا اللمم) * وهي الذنوب الصغار، التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يلم العبد بها، المرة بعد المرة، على وجه الندرة والقلة، فهذه، ليس مجرد الإقدام عليها مخرجا للعبد من أن يكون من المحسنين، فإن هذه، مع الإتيان بالواجبات، وترك المحرمات، تدخل تحت مغفرة الله، التي وسعت كل شيء، ولهذا قال: * (إن ربك واسع المغفرة) *، فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد، ولولا عفوه وحلمه، لسقطت السماء على الأرض، ولما ترك على ظهرها من دابة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر). وقوله: * (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) *، أي: هو تعالى أعلم بأحوالكم كلها، وما جبلكم عليه، من الضعف والخور، عن كثير مما أمركم الله به، ومن كثرة الدواعي إلى فعل المحرمات، وكثرة الجواذب إليها، وعدم الموانع القوية. والضعف موجود مشاهد منكم، حين أخرجكم الله من الأرض، وإذ كنتم في بطون أمهاتكم، ولم يزل موجودا فيكم. وإن كان الله تعالى قد أوجد فكيم قوة على ما أمركم به، ولكن الضعف لم يزل، فلعلمه تعالى بأحوالكم هذه، ناسبت الحكمة الإلهية، والجود الرباني، أن يتغمدكم برحمته ومغفرته وعفوه، ويغمركم بإحسانه، ويزيل عنكم الجرائم والمآثم. خصوصا إذا كان العبد مقصوده مرضاة ربه في جميع الأوقات، وسعيه فيما يقرب إليه في أكثر الآنات، وفراره من الذنوب، التي يمقت بها عند مولاه، ثم تقع منه الفلتة بعد الفلتة، فإن الله تعالى أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، أرحم بعباده من الوالدة بولدها. فلا بد لمثل هذا أن يكون من مغفرة ربه قريبا، وأن يكون الله له في جميع أحواله مجيبا، ولهذا قال تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم) *، أي: تخبرون الناس بطهارتها، على وجه التمدح عندهم. * (هو أعلم بمن اتقى) * فإن التقوى، محلها القلب، والله هو المطلع عليه، المجازي على ما فيه من بر وتقوى، وأما الناس، فلا يغنون عنكم من الله شيئا. * (أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا وأكدى * أعنده علم الغيب فهو يرى * أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى * وأنه هو أضحك وأبكى * وأنه هو أمات وأحيا * وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى * وأن
(٨٢١)