من المعاني. فكل من له أدنى مسكة من عقل، يعلم بطلان هذه الأوصاف فيها. * (ألكم الذكر وله الأنثى) * أي: أتجعلون لله البنات بزعمكم، ولكم البنون؟ * (تلك إذا قسمة ضيزى) *، أي: ظالمة جائرة، وأي ظلم أعظم من قسمة تقتضي تفضيل العبد المخلوق على الخالق؟ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وقوله: * (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) *، أي: من حجة وبرهان، على صحة مذهبكم، وكل أمر، ما أنزل الله فيه من سلطان، فهو باطل فاسد، لا يتخذ دينا، وهم في أنفسهم ليسوا بمتبعين لبرهان، يتيقنون به ما ذهبوا إليه. وإنما دلهم على قولهم، الظن الفاسد، والجهل الكاسد، وما تهواه أنفسهم من الشرك والبدع الموافقة لأهويتهم، والحال أنه لا موجب لهم يقتضي ذلك، إلا اتباعهم للظن، من فقد العلم والهدى، ولهذا قال تعالى: * (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) *، أي: الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة، وجميع المطالب التي يحتاج إليها العباد. فكلها قد بينها الله أكمل بيان، وأوضحه، وأدله على المقصود، وأقام عليه من الأدلة والبراهين، ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه، فلم يبق لأحد حجة، ولا عذر من بعد البيان والبرهان. وإذا كان ما هم عليه، غايته اتباع الظن، ونهايته الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فالبقاء على هذه الحال، من أسفه السفه، وأظلم الظلم، ومع ذلك يتمنون الأماني، ويغترون بأنفسهم. ولهذا أنكر تعالى على من زعم، أنه يحصل له ما تمنى، وهو كاذب في ذلك، فقال: * (أم للإنسان ما تمنى فلله الآخرة والأولى) * فيعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، فليس الأمر تابعا لأمانيهم، ولا موافقا لأهوائهم. * (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) * يقول تعالى منكرا على من عبد غيره من الملائكة وغيرهم، وزعم أنها تنفعه وتشفع له عند الله يوم القيامة: * (وكم من ملك في السماوات) * من الملائكة المقربين، وكرام الملائكة. * (لا تغني شفاعتهم شيئا) *، أي: لا تفيد من ادعاها وتعلق بها ورجاها. * (إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) *، أي: لا بد من اجتماع الشرطين: إذنه تعالى في الشفاعة، ورضاه عن المشفوع له. ومن المعلوم المتقرر، أنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجه الله، موافقا فيه صاحبه الشريعة. فالمشركون إذا لا نصيب لهم من شفاعة الشافعين، لأنهم سدوا على أنفسهم، رحمة أرحم الراحمين. * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) * يعني أن المشركين بالله المكذبين لرسله، الذين لا يؤمنون بالآخرة، بسبب عدم إيمانهم بالله تعالى، تجرأوا على ما تجرأوا عليه، من الأقوال، والأفعال المحادة لله ولرسوله، من قولهم: (الملائكة بنات الله)، فلم ينزهوا ربهم عن الولادة، ولم يكرموا الملائكة، ويجلوهم عن تسميتهم إياهم إناثا. والحال أنه ليس لهم بذلك علم، لا عن الله، ولا عن رسوله، ولا دلت على ذلك الفطر والعقول، بل العلم كله، دال على نقيض قولهم، وأن الله منزه عن الأولاد، والصاحبة، لأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وأن الملائكة كرام مقربون إلى الله، قائمون بخدمته: * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) *. والمشركون إنما يتبعون في ذلك القول القبيح، وهو: الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، فإن الحق لا بد فيه من اليقين المستفاد من الأدلة والبراهين الساطعة. ولما كان هذا دأب هؤلاء المذكورين أنهم لا غرض لهم في اتباع الحق، وإنما غرضهم ومقصودهم، ما تهواه نفوسهم، أمر الله رسوله بالإعراض عمن تولى عن ذكره، الذي هو الذكر الحكيم، والقرآن العظيم، فأعرض عن العلوم النافعة، ولم يرد إلا الحياة الدنيا، فهذا منتهى إرادته. ومن المعلوم أن العبد لا يعمل إلا للشيء الذي يريده، فسعي هؤلاء مقصور على الدنيا ولذاتها وشهواتها، كيف حصلت حصلوها، وبأي طريق سنحت ابتدروها. * (ذلك مبلغهم من العلم) *، أي: هذا منتهى علمهم وغايته. وأما المؤمنون بالآخرة، المصدقون بها، أولو الألباب والعقول، فهمهم وإرادتهم للدار الآخرة، وعلومهم أفضل العلوم وأجلها، وهو المأخوذ من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، ممن لا يستحق
(٨٢٠)