تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٢٤
الرسل، هذه حالهم مع أنبيائهم. فعند ذلك دعا نوح ربه، * (أني مغلوب) * لا قدرة لي على الانتصار منهم، لأنه لم يؤمن من قومه إلا القليل النادر، ولا قدرة لهم على مقاومة قومهم. * (فانتصر) * اللهم لي منهم، وقال في الآية الأخرى: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * الآيات. فأجاب الله سؤاله، فانتصر له من قومه، قال تعالى: * (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) *، أي: كثير جدا متتابع. * (وفجرنا الأرض عيونا) * فجعلت السماء ينزل منها من الماء شيء خارق للعادة، وتفجرت الأرض كلها، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه، فضلا عن كونه منبعا للماء، لأنه موضع النار. * (فالتقى الماء) *، أي: ماء السماء والأرض * (على أمر) * من الله له بذلك، * (قد قدر) *، أي: قد كتبه الله في الأزل وقضاه، عقوبة لهؤلاء الظالمين الطاغين. * (وحملناه على ذات ألواح ودسر) *، أي: ونجينا عبدنا نوحا على السفينة ذات الألواح والدسر، أي: المسامير التي قد سمرت بها ألواحها وشد بها أسرها. * (تجري بأعيننا) *، أي: تجري بنوح ومن آمن معه، ومن حمله من أصناف المخلوقات برعاية من الله، وحفظ منه لها عن الغرق، ونظر وكلاءة منه تعالى، وهو نعم الحافظ والوكيل. * (جزاء لمن كان كفر) *، أي: فعلنا بنوح ما فعلنا من النجاة من الغرق العام، جزاء له حيث كذبه قومه وكفروا، فصبر على دعوتهم، واستمر على أمر الله، فلم يرده عنه راد، ولا صده عن ذلك صاد، كما قال تعالى في الآية الأخرى: * (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) * الآية. ويحتمل أن المراد: إنا أهلكنا قوم نوح، وفعلنا بهم ما فعلنا من العذاب والخزي، جزاء لهم على كفرهم وعنادهم، وهذا متوجه على قراءة من قرأها بفتح الكاف. * (ولقد تركناها آية فهل من مدكر) * أي: ولقد تركنا قصة نوح مع قومه، آية يتذكر بها المتذكرون، على أن من عصى الرسل وعاندهم أهلكه الله بعقاب عام شديد، أو أن الضمير يعود إلى السفينة وجنسها، وأن أصل صنعتها تعليم من الله لرسوله نوح عليه السلام، ثم أبقى الله صنعتها وجنسها بين الناس ليدلك ذلك، على رحمته بخلقه، وعنايته، وكمال قدرته، وبديع صنعته. * (فهل من مدكر) *؟ أي: فهل من متذكر للآيات، ملق ذهنه وفكرته لما يأتيه منها، فإنها في غاية البيان واليسر؟ * (فكيف كان عذابي ونذر) *، أي: فكيف رأيت أيها المخاطب عذاب الله الأليم وإنذاره الذي لا يبقي لأحد عليه حجة. * (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) *، أي: ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم، لأنه أحسن الكلام لفظا، وأصدقه معنى، وأبينه تفسيرا، فكل من أقبل عليه يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه، والذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام، وأحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة. ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا، أسهل العلوم، وأجلها على الإطلاق، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد، أعين عليه، وقال بعض السلف عند هذا الآية: هل من طالب علم فيعان عليه؟ ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله: * (فهل من مدكر) *. * (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) * (وعاد) هي القبيلة المعروفة باليمن، أرسل الله إليهم هودا عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته، فكذبوه، فأرسل الله عليه * (ريحا صرصرا) *، أي: شديدة جدا. * (في يوم نحس) *، أي: شديد العذاب والشقاء عليهم، * (مستمر) * عليهم سبع ليال، وثمانية أيام حسوما. * (تنزع الناس) * من شدتها، فترفعهم إلى جو السماء، ثم تدفعهم بالأرض فتهلكهم، فيصبحون * (كأنهم أعجاز نخل منقعر) *، أي: كأن جثثهم بعد هلاكهم، مثل جذوع النخل الخاوي الذي اقتلعته الريح فسقط على الأرض، فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره * (فكيف كان عذابي ونذر) *، كان والله العذاب الأليم، والنذارة التي ما أبقت لأحد عليه حجة. * (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) * كرر تعالى ذلك، رحمة بعباده، وعناية بهم، حيث دعاهم إلى ما يصلح دنياهم وأخراهم. * (كذبت ثمود بالنذر * فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنآ إذا لفي ضلال وسعر * أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الأشر * إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر * ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر * فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابي ونذر * إنآ أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) * * (كذبت ثمود) * وهم القبيلة المعروفة المشهورة في أرض الحجر، نبيهم صالحا صلى الله عليه وسلم، حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأنذرهم العقاب، إن هم خالفوه. فكذبوه واستكبروا عليه، وقالوا كبرا وتيها: * (أبشرا منا واحدا نتبعه
(٨٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 820 821 822 823 824 824 824 825 827 828 829 ... » »»