تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٣١
ثم ذكر ما أعد له في ذلك اليوم، فقال: * (يرسل عليكما) * إلى: * (تكذبان) *. * (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان) * أي: يرسل عليكما لهب صاف من النار، ونحاس، وهو: اللهب الذي قد خالطه الدخان، والمعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما، ويحيطان بكما، فلا تنتصران، لا بناصر، من أنفسكم، ولا بأحد ينصركم من دون الله. ولما كان تخويفه لعباده نعمة منه عليهم، وسوطا يسوقهم به إلى أعلى المطالب، وأشرف المواهب، ذكر منته بذلك، فقال: * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. * (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام فبأي آلاء ربكما تكذبان) * * (فإذا انشقت السماء) *، أي: يوم القيامة من الأهوال، وكثرة البلبال، وترادف الأوجال، فانخسفت شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها. * (فكانت) * من شدة الخوف والانزعاج * (وردة كالدهان) *، أي: كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه * (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) *، أي: سؤال استعلام بما وقع، لأنه تعالى عالم الغيب والشهادة، والماضي والمستقبل، ويريد أن يجازي العباد بما علمه من أحوالهم. وقد جعل لأهل الخير والشر يوم القيامة علامات يعرفون بها، كما قال تعالى: * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) *. وقال هنا: * (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام فبأي آلاء ربكما تكذبان) *، أي: فيؤخذ بنواصي المجرمين وأقدامهم، فيلقون في النار، ويسحبون إليها، وإنما يسألهم تعالى سؤال توبيخ، وتقرير بما وقع منهم، وهو أعلم به منهم، ولكنه تعالى يريد أن تظهر للخلق حجته البالغة، وحكمته الجليلة. * (ه ذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن * فبأي آلاء ربكما تكذبان) * أي: يقال للمكذبين بالوعد والوعيد، حيتن تسعر الجحيم: * (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) *، فليهنهم تكذيبهم بها، وليذوقوا من عذابها، ونكالها وسعيرها، وأغلالها، ما هو جزاء لهم على تكذيبهم. * (يطوفون بينها) *، أي: بين أطباق الجحيم ولهبها * (وبين حميم آن) *، أي: ماء حار جدا، قد انتهى حره، وزمهرير، قد اشتد برده وقره * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين، ذكر جزاء المتقين الخائفين، فقال: * (ولمن خاف) *، إلى: * (والإكرام) *. * (ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) * أي: والذي خاف ربه، وقيامه عليه، فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمر به، له جنتان، من ذهب آنيتهما، وحليتهما، وبنيانهما، وما فيهما، إحدى الجنتين، جزاء على ترك المنهيات، والأخرى على فعل الطاعات.. ومن أوصاف تلك الجنتين، أنهما * (ذواتا أفنان) *، أي: فيهما من ألوان النعيم المتنوعة، نعيم الظاهر والباطن، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. أن فيهما الأشجار الكثيرة الزاهرة، ذوات الغصون الناعمة، التي فيها الثمار اليانعة الكثيرة اللذيذة. وفي تلك الجنتين * (عينان تجريان) * يفجرونهما على ما يريدون ويشتهون. * (فيهما من كل فاكهة) * من جميع أصناف الفواكه * (زوجان) *، أي: صنفان، كل صنف له لذة ولون، ليس للنوع الآخر. * (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق) *، هذه صفة فرش أهل الجنة وجلوسهم عليها، وأنهم متكئون عليها، أي: جلوس تمكن واستقرار وراحة، كجلوس الملوك على الأسرة. وتلك الفرش، لا يعلم وصفها وحسنها إلا الله تعالى، حتى إن بطائنها التي تلي الأرض منها من إستبرق، وهو أحسن الحرير وأفخره، فكيف بظواهرها التي يباشرون؟ * (وجنى الجنتين دان) *، الجنى هو الثمر المستوي، أي: وثمر هاتين الجنتين قريب التناول، يناله القائم والقاعد، والمضطجع. * (فيهن قاصرات الطرف) *، أي: قد قصرن طرفهن على أزواجهن، من حسنهم وجمالهم، وكمال محبتهن لهم، وقصرن أيضا طرف أزواجهن عليهن، من حسنهن وجمالهن، ولذة وصالهن، وشدة محبتهن. * (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) *، أي: لم ينلهن أحد قبلهم، من الإنس والجن، بل هن أبكار عرب، متحببات إلى أزواجهن، بحسن التبعل والتغنج والملاحة والدلال، ولهذا قال: * (كأنهن الياقوت والمرجان) *، وذلك لصفائهن وجمال منظرهن، وبهائهن. * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) *، أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق، ونفع عبيده، إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم، والعيش السليم، فهاتان الجنتان العاليتان للمقربين. * (62) * (ومن دونهما جنتان) * من فضة بنيانهما وحليتهما، وما فيهما لأصحاب اليمين. وتلك الجنتان * (مدهامتان) *، أي: سوداوان من شدة الخضرة والري. * (فيهما عينان نضاختان) *، أي: فوارتان، * (فيهما فاكهة) * من جميع أصناف الفواكه، وأخصها: النخل، والرمان، واللذان فيهما من المنافع، ما فيهما. * (فيهن) *، أي: في الجنات كلها * (خيرات حسان) *، أي: خيرات
(٨٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 825 827 828 829 830 831 832 833 834 835 836 ... » »»