تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٢٢
عليه النشأة الأخرى * وأنه هو أغنى وأقنى * وأنه هو رب الشعرى * وأنه أهلك عادا الأولى * وثمود فمآ أبقى * وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى * والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى * فبأي آلاء ربك تتمارى * ه ذا نذير من النذر الأولى * أزفت الآزفة * ليس لها من دون الله كاشفة * أفمن ه ذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون * وأنتم سامدون * فاسجدوا لله واعبدوا) * يقول تعالى: * (أفرأيت) * قبح حالة من أمر بعبادة ربه وتوحيده، فتولى عن ذلك، وأعرض عنه؟ فإن سمحت نفسه ببعض الشيء القليل، فإنه لا يستمر عليه، بل يبخل ويكدى ويمنع. فإن الإحسان ليس سجية له وطبعا، بل طبعه التولي عن الطاعة، وعدم الثبوت على فعل المعروف، ومع هذا، فهو يزكي نفسه، وينزلها غير منزلتها، التي أنزلها الله بها. * (أعنده علم الغيب فهو يرى) * الغيب، فيخبر به، أم هو متقول على الله، متجرىء عليه، جامع بين المحذورين، الإساءة والتزكية، كما هو الواقع، لأنه قد علم أنه ليس عنده علم من الغيب، وأنه لو قدر أنه ادعى ذلك، فالإخبارات القاطعة عن علم الغيب، التي على يد النبي المعصوم تدل على نقيض قوله، وذلك دليل على بطلانه. * (أم لم ينبأ) * هذا المدعي * (بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى) *. أي: قام بجميع ما ابتلاه الله به، وأمره به، من الشرائع، وأصول الدين وفروعه. وفي تلك الصحف، أحكام كثيرة، من أهمها ما ذكره الله بقوله: * (أن لا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) *، أي: كل عامل، له عمله الحسن والسيىء، فليس له من عمل غيره وسعيه شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا. * (وأن سعيه سوف يرى) * في الآخرة فيميز حسنه من سيئه. * (ثم يجزاه الجزاء الأوفى) *، أي: المستكمل لجميع العمل: الحسن الخالص بالحسنى، والسيىء الخالص بالسوأى، والمشوب بحسبه. جزاء تقر بعدله وإحسانه الخليقة كلها، وتحمد الله عليه، حتى إن أهل النار ليدخلون النار، وإن قلوبهم مملوءة من حمد ربهم، والإقرار له بكمال الحكمة ومقت أنفسهم، وأنهم الذي أوصلوا أنفسهم، وأوردوها شر الموارد. وقد استدل بقوله: * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) *، فوصول سعي غيره إليه، مناف لذلك، وفي هذا الاستدلال نظر، فإن الآية إنما تدل على أنه ليس للإنسان إلا ما سعى بنفسه، وهذا حق لا خلاف فيه، وليس فيها ما يدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره، إذا أهداه ذلك الغير إليه، كما أنه ليس للإنسان من المال، إلا ما هو في ملكه وتحت يده، ولا يلزم من ذلك، أن لا يملك ما وهبه الغير له، من ماله الذي يملكه. وقوله: * (وأن إلى ربك المنتهى) *، أي: إليه تنتهي الأمور، وإليه تصير الأشياء والخلائق، بالبعث والنشور، وإلى الله المنتهى في كل حال، فإليه ينتهي العلم، والحكمة، والرحمة، وسائر الكمالات. * (وأنه هو أضحك وأبكى) *، أي: هو الذي أوجد أسباب الضحك والبكاء، وهو الخير والشر، والفرح والسرور، والهم والحزن، وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك. * (وأنه هو أمات وأحيا) *، أي: هو المنفرد بالإيجاد والإعدام، والذي أوجد الخلق، وأمرهم ونهاهم، سيعيدهم بعد موتهم، ويجازيهم بتلك الأعمال التي عملوها في دار الدنيا. * (وأنه خلق الزوجين) * فسرهما بقوله: * (الذكر والأنثى) *، وهذا اسم جنس شامل لجميع الحيوانات، ناطقها وبهيمها، فهو المنفرد بخلقها. * (من نطفة إذا تمنى) * وهذا من أعظم الأدلة على كمال قدرته وانفراده بالعزة العظيمة، حيث أوجد تلك الحيوانات، صغيرها وكبيرها من نطفة ضعيفة من ماء مهين، ثم نماها وكملها، حتى بلغت ما بلغت، ثم صار الآدمي منها، وإما إلى أرفع المقامات في أعلى عليين، وإما إلى أدنى الحالات في أسفل سافلين. ولهذا استدل بالبداءة على الإعادة، فقال: * (وأن عليه النشأة الأخرى) * فيعيد العباد من الأجداث، ويجمعهم ليوم الميقات، ويجازيهم على الحسنات والسيئات. * (وأنه هو أغنى وأقنى) *، أي: أغنى العباد بتيسير أمر معاشهم من التجارات، وأنواع المكاسب، من الحرف وغيرها، وأقنى، أي: أفاد عباده من الأموال، بجميع أنواعها، ما يصيرون به مقتنين لها، ومالكين لكثير من الأعيان، وهذا من نعمه تعالى أن أخبرهم أن جميع النعم منه، وهذا يوجب على العبادة أن يشكروه، ويعبدوه وحده لا شريك له. * (وأنه هو رب الشعرى) * وهو النجم المعروف بالشعرى العبور، المسماة بالمرزم، وخصها الله بالذكر، وإن كان هو رب كل شيء، لأن هذا النجم مما عبد في الجاهلية، فأخبر تعالى أن جنس ما يعبد المشركون، مربوب مدبر مخلوق، فكيف يتخذ مع الله آلهة. * (وأنه أهلك عادا الأولى) * وهم قوم هود عليه السلام، حين كذبوا
(٨٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 817 818 819 820 821 822 823 824 824 824 825 ... » »»