* أم عندهم خزآئن ربك أم هم المسيطرون * أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين * أم له البنات ولكم البنون * أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون * أم عندهم الغيب فهم يكتبون * أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون * أم لهم إل ه غير الله سبحان الله عما يشركون) * يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يذكر الناس، مسلمهم وكافرهم، لتقوم حجة الله على الظالمين، ويهتدي بتذكيره الموفقون، وأن لا يبالي بقول المشركين المكذبين، وأذيتهم وأقوالهم التي يصدون بها الناس عن اتباعه، مع علمهم أنه أبعد الناس عنها، ولهذا نفى عنه كل نقص رموه به، فقال: * (فما أنت بنعمة ربك) *، أي: منه ولطفه * (بكاهن) *، أي: له رئي من الجن، يأتيه بخبر بعض الغيوب، التي يضم إليها مائة كذبة. * (ولا مجنون) * فاقد للعقل، بل أنت أكمل الناس عقلا، وأبعدهم عن الشياطين، وأعظمهم صدقا، وأجلهم وأكملهم. وتارة * (يقولون) * (فية إنه) * (شاعر) * يقول الشعر، والذي جاء به شعر، والله يقول: * (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) *. * (نتربص به ريب المنون) *، أي: ننتظر به الموت، فيبطل أمره، ونستريح منه. * (قل) * لهم جوابا لهذا الكلام السخيف: * (تربصوا) * أي: انتظروا بي الموت، * (فإني معكم من المتربصين) * (نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا) * (أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون) *، أي: أهذا التكذيب لك، والأقوال التي قالوها؟ هل صدرت عن عقولهم وأحلامهم؟ فبئس العقول والأحلام، التي هذه نتائجها، وهذه ثمراتها. فإن عقولا جعلت أكمل الخلق عقلا مجنونا، وجعلت أصدق الصدق، وأحق الحق، كذبا وباطلا، لهي العقول التي ينزه المجانين عنها. أم الذي حملهم على ذلك ظلمهم وطغيانهم؟ وهو الواقع، فالطغيان ليس له حد يقف عليه، فلا يستغرب من الطاغي المتجاوز الحد، كل قول وفعل صدر منه. * (أم يقولون تقوله) *، أي: تقول محمد القرآن، وقاله من تلقاء نفسه؟ * (بل لا يؤمنون) * فلو آمنوا، لم يقولوا ما قالوا. * (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) * أنه تقوله، فإنكم العرب الفصحاء، والفحول البلغاء، وقد تحداكم أن تأتوا بمثله، فتصدق معارضتكم أو تقروا بصدقه، وأنكم لو اجتمعتم، أنتم والإنس والجن، لم تقدروا على معارضته والإتيان بمثله، فحينئذ أنتم بين أمرين: إما مؤمنون به، مقتدون بهديه، وإما معاندون متبعون، لما علمتم من الباطل. * (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) * وهذا استدلال عليهم، بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل والدين، وبيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذبون لرسوله، وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم. وقد تقرر في العقل مع الشرع، أن ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أمور: إما أنهم خلقوا من غير شيء، أي: لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجاد ولا موجد، وهذا عين المحال. أم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال، فإنه لا يتصور، أن يوجد أحد نفسه. فإذا بطل هذان الأمران، وبان استحالتهما، تعين القسم الثالث وهو: أن الله هو الذي خلقهم. وإذا تعين ذلك، علم أن الله تعالى هو المعبود وحده، الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح، إلا له تعالى. وقوله: * (أم خلقوا السماوات والأرض) * وهذا استفهام يدل على تقرير النفي، أي: ما خلقوا السماوات والأرض، فيكونوا شركاء لله، وهذا أمر واضح جدا. * (بل) * (المكذبون) * (لا يوقنون) *، أي: ليس عندهم يقين، يوجب لهم الانتفاع بالأدلة الشرعية والعقلية. * (أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون) *، أي: أعند هؤلاء المكذبين خزائن رحمة ربك، فيعطوا من يشاءون، ويمعنوا من يشاؤون؟ أي: فلذلك حجروا على الله، أن يعطي النبوة عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، وكأنهم الوكلاء المفوضون على خزائن رحمة الله، وهم أحقر، وأذل من ذلك، فليس في أيديهم لأنفسهم، نفع ولا ضر، ولا موت ولا حياة، ولا نشور.
(٨١٦)