تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨١٧
* (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) *. * (أم هم المسيطرون) *، أي: المتسلطون على خلق الله وملكه، بالقهر والغلبة؟ ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزون الفقراء. * (أم لهم سلم يستمعون فيه) *، أي: ألهم اطلاع على الغيب، واستماع له بين الملأ، فيخبرون عن أمور لا يعلمها غيرهم؟ * (فليأت مستمعهم) * المدعي لذلك * (بسلطان مبين) *، وأنى له ذلك؟ والله تعالى عالم الغيب والشهادة، فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول يخبره بما أراد من علمه. وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الرسل، وأعلمهم وإمامهم، وهو المخبر بما أخبر به، من توحيد الله، ووعيده، وغير ذلك من أخباره الصادقة لا يعلم إلا ما علمه الله، والمكذبون هم أهل الجهل والضلال، والغي والعناد. فأي المخبرين أحق بقبول خبره؟ خصوصا والرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام من الأدلة والبراهين، على ما أخبر به، ما يوجب أن يكون ذلك عين اليقين، وأكمل الصدق، وهم لم يقيموا على ما ادعوه شبهة، فضلا عن إقامة حجة. وقوله: * (أم له البنات) * كما زعمتم * (ولكم البنون) * فتجمعون بين المحذورين؟ جعلكم له الولد، واختياركم له أنقص الصنفين؟ فهل بعد هذا التنقص لرب العالمين، غاية أو دونه نهاية؟ * (أم تسألهم) * يا أيها الرسول * (أجرا) * على تبليغ الرسالة. * (فهم من مغرم مثقلون) *. ليس الأمر كذلك، بل أنت الحريص على تعليمهم، تبرعا من غير شيء، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة، على قبول رسالتك، والاستجابة لأمرك ودعوتك، وتعطي المؤلفة قلوبهم، ليتمكن العلم والإيمان من قلوبهم. * (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) * ما كانوا يعلمونه من الغيوب، فيكونون قد اطلعوا على ما لم يطلع عليه رسول الله، فعارضوه، وعاندوه بما عندهم من الغيب؟ وقد علم أنهم هم الأمة الأمية، الجهال الضالون. ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي عنده من العلم أعظم من غيره، وأنبأه الله من علم الغيب على ما لم يطلع عليه أحد من الخلق، وهذا كله إلزام لهم، بالطرق العقلية والنقلية، على فساد قولهم، وتصوير بطلانه بأحسن الطرق وأوضحها، وأسلمها من الاعتراض. وقوله: * (أم يريدون) * بقدحهم فيك، وفيما جئت به * (كيدا) * يبطلون به دينك، ويفسدون به أمرك؟ * (فالذين كفروا هم المكيدون) *، أي: كيدهم في نحورهم، ومضرته عائدة إليهم، وقد فعل الله ذلك ولله الحمد فلم يبق الكفار من مقدورهم من المكر شيئا، إلا فعلوه، فنصر الله نبيه عليهم، وأظهر دينه، وخذلهم، وانتصر عليهم. * (أم لهم إله غير الله) *، أي: ألهم إله يدعى ويرجى نفعه، ويخاف من ضره، غير الله تعالى؟ * (سبحان الله عما يشركون) * فليس له شريك في الملك، ولا شريك في الوحدانية والعبادة. وهذا هو المقصود من الكلام الذي سيق لأجله، وهو بطلان عبادة ما سوى الله، وبيان فسادها، بتلك الأدلة القاطعة. وأن ما عليه المشركون هو الباطل، وأن الذي ينبغي أن يعبد ويصلى له ويسجد، ويخلص له دعاء العبادة، ودعاء المسألة، هو الله المألوه المعبود، كامل الأسماء والصفات، كثير النعوت الحسنة، والأفعال الجميلة، ذو الجلال والإكرام، والعز الذي لا يرام، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الكبير الحميد المجيد. * (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون) * يقول تعالى في ذكر بيان أن المشركين المكذبين بالحق الواضح، قد عتوا عن الحق، وعسوا على الباطل، وأنه لو قام على الحق كل دليل لما اتبعوه، ولخالفوه وعاندوا. * (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا) *، أي: لو سقط عليهم من السماء من الآيات الباهرة، كسف، أي: قطع كبار من العذاب * (يقولوا سحاب مركوم) *، أي: هذا سحاب متراكم على العادة. أي: فلا يبالون بما رأوا من الآيات، ولا يعتبرون بها. وهؤلاء لا دواء لهم، إلا العذاب والنكال، ولهذا قال: * (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه
(٨١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 812 813 814 815 816 817 818 819 820 821 822 ... » »»