تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨١٨
يصعقون) * وهو يوم القيامة الذي يصيبهم فيه من العذاب، ما لا يقادر قدره، ولا يوصف أمره. * (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا) *، أي: لا قليلا ولا كثيرا. وإن كان في الدنيا، قد يوجد منهم كيد يعيشون به زمنا قليلا، فيوم القيامة يضمحل كيدهم، وتبطل مساعيهم، ولا ينتصرون من عذاب الله * (ولا هم ينصرون) *. * (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ول كن أكثرهم لا يعلمون * واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم * ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) * لما ذكر الله عذاب الظالمين في الآخرة، أخبر أن لهم عذابا قبل عذاب يوم القيامة، وذلك شامل لعذاب الدنيا، بالقتل والسبي والإخراج من الديار، ولعذاب البرزخ والقبر. * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) *، أي: فلذلك أقاموا على ما يوجب العذاب، وشدة العقاب. ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يعبأ بهم شيئا، وأن يصبر لحكم ربه القدري، والشرعي بلزومه، والاستقامة عليه، ووعده الله الكفاية بقوله: * (فإنك بأعيننا) *، أي: بمرأى منا، وحفظ، واعتناء بأمرك. وأمره أن يستعين على الصبر بالذكر والعبادة، فقال: * (وسبح بحمد ربك حين تقوم) * من الليل. ففيه الأمر بقيام الليل، أو حين تقوم إلى الصلوات الخمس، بدليل قوله: * (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) *، أي: آخر الليل، ويدخل فيه صلاة الفجر، والله أعلم. تم تفسير سورة الطور والحمد لله سورة النجم * (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى) * يقسم تعالى بالنجم عند هويه، أي: سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل، وإقبال النهار، لأن في ذلك من الآيات العظيمة، ما أوجب أن أقسم به، والصحيح أن النجم، اسم جنس شامل للنجوم كلها. وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي، لأن في ذلك مناسبة عجيبة، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء، فكذلك الوحي وآثاره، زينة للأرض، فلولا العلم الموروث من الأنبياء، لكان الناس في ظلمة أشد من ظلمة الليل البهيم. والمقسم عليه، تنزيه الرسول عن الضلال في علمه، والغي في قصده. ويلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه، هاديا، حسن القصد، ناصحا للخلق. وبعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم، وسوء القصد. وقال: * (صاحبكم) * لينبههم على ما يعرفونه منه، من الصدق والهداية، وأنه لا يخفى عليهم أمره. * (وما ينطق عن الهوى) *، أي: ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه. * (إن هو إلا وحي يوحى) *، أي: لا يتبع إلا ما أوحي إليه، من الهدى والتقوى، في نفسه، وفي غيره. ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: * (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) *، وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى. ثم ذكر المعلم للرسول، وهو جبريل عليه السلام، أفضل الملائكة الكرام وأقواهم وأكملهم، فقال: * (علمه شديد القوى) *، أي: نزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام، شديد القوى الظاهرة والباطنة. قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس منه. وهذا من حفظ الله لوحيه، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين. * (ذو مرة) *، أي: قوة، وخلق حسن، وجمال ظاهر وباطن. * (فاستوى) * جبريل عليه السلام
(٨١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 813 814 815 816 817 818 819 820 821 822 823 ... » »»