ونجاهم من المرهوب لما فعلوا ما أحبه، وجانبوا ما يسخطه. * (كلوا واشربوا) *، أي: مما تشتهيه أنفسكم، من أصناف المآكل والمشارب اللذيذة. * (هنيئا) *، أي: متهنئين بذلك على وجه البهجة والفرح، والسرور والحبور. * (بما كنتم تعملون) *، أي: نلتم ما نلتم بسبب أعمالكم الحسنة، وأقوالكم المستحسنة. * (متكئين على سرر مصفوفة) * الاتكاء هو: الجلوس على وجه التمكن والراحة والاستقرار، والسرر هي: الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر والفرش الزاهية. ووصف الله السرر بأنها مصفوفة ليدل ذلك على كثرتها، وحسن تنظيمها، واجتماع أهلها وسرورهم، بحسن معاشرتهم، وملاطفة بعضهم بعضا. فلما اجتمع لهم من نعيم القلب والروح والبدن ما لا يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال من المآكل والمشارب اللذيذة، والمجالس الحسنة الأنيقة، لم يبق إلا التمتع بالنساء اللاتي لم يتم سرور إلا بهن. فذكر تعالى أن لهم من الأزواج، أكمل النساء أوصافا وخلقا وأخلاقا، ولهذا قال: * (وزوجناهم بحور عين) * وهن النساء اللواتي قد جمعن جمال الصور الظاهرة وبهاءها، ومن الأخلاق الفاضلة، ما يوجب أن يحيرن بحسنهن الناظرين، ويسلبن عقول العالمين، وتكاد الأفئدة أن تطير شوقا إليهن، ورغبة في وصالهن، والعين: حسان الأعين مليحاتها، التي صفا بياضها وسوادها. * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ومآ ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين * وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون * يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم * ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون * وأقبل بعضهم على بعض يتسآءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم) * وهذا من تمام نعيم الجنة، أن ألحق الله بهم ذريتهم، الذين اتبعوهم بإيمان، أي: لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم. فهؤلاء المذكورون، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة، وإن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، وزيادة في ثوابهم. ومع ذلك، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا. ولما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك، يلحق الله بهم ذريتهم، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا، فإن النار دار العدل، ومن عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب، ولهذا قال: * (كل امرئ بما كسب رهين) *، أي: مرتهن بعمله، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يحمل على أحد ذنب أحد. فهذا اعتراض من فوائده إزالة هذا الوهم المذكور. وقوله: * (وأمددناهم) *، أي: أمددنا أهل الجنة من فضلنا الواسع، ورزقنا العميم * (بفاكهة) * من العنب والرمان والتفاح، وأصناف الفواكه اللذيذة الزائدة على ما به يتقوتون. * (ولحم مما يشتهون) * من كل ما طلبوه واشتهته أنفسهم، من لحوم الطير وغيرها. * (يتنازعون فيها كأسا) *، أي: تدور كاسات الرحيق والخمر عليهم، ويتعاطونها فيما بينهم، وتطوف عليهم الولدان المخلدون بأكواب وأباريق. * (لا لغو فيها ولا تأثيم) *، أي: ليس في الجنة كلام لغو، وهو الذي لا فائدة فيه، ولا تأثيم وهو: الذي فيه إثم ومعصية، وإذا انتقى الأمران، ثبت الأمر الثالث، وهو أن كلامهم فيها، سلام طيب طاهر، مسر للنفوس، مفرح للقلوب، يتعاشرون أحسن عشرة، ويتنادمون أطيب المنادمة، ولا يسمعون من ربهم، إلا ما يقر أعينهم، ويدل على رضاه عنهم ومحبته لهم. * (ويطوف عليهم غلمان لهم) *، أي: خدم شباب * (كأنهم لؤلؤ مكنون) * من حسنهم وبهائهم، يدورون عليهم بالخدمة، وقضاء أشغالهم، وهذا يدل على كثرة نعيمهم وسعته، وكمال راحتهم. * (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) * عن أمور الدنيا وأحوالها. * (قالوا) * في ذكر بيان الذي أوصلهم إلى ما هم فيه من الحبرة والسرور. * (إنا كنا قبل) *، أي: في دار الدنيا * (في أهلنا مشفقين) *، أي: خائفين وجلين، فتركنا من خوفه الذنوب، وأصلحنا لذلك العيوب. * (فمن الله علينا) * بالهداية والتوفيق، * (ووقانا عذاب السموم) *، أي: العذاب الحار الشديد حره. * (إنا كنا من قبل ندعوه) * أن يقينا عذاب السموم، ويوصلنا إلى النعيم، وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، أي: لم نزل نتقرب إليه بأنواع العبادات، وندعوه في سائر الأوقات. * (إنه هو البر الرحيم) *، فمن بره ورحمته إيانا أن أنالنا رضاه والجنة، ووقانا سخطه والنار. * (فذكر فمآ أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون * أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون * قل تربصوا فإني معكم من المتربصين * أم تأمرهم أحلامهم به ذآ أم هم قوم طاغون * أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون * فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين * أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون
(٨١٥)