تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٠٨
عنهم) *، أي: عن الخلائق. * (سراعا) *، أي: يسرعون لإجابة الداعي لهم إلى موقف القيامة. * (ذلك حشر علينا يسير) *، أي: سهل على الله، لا تعب فيه ولا كلفة. * (نحن أعلم بما يقولون) * لك، مما يحزنك من الأذى. وإذا كنا أعلم بذلك، فقد علمت كيف اعتناؤنا بك، وتيسيرنا لأمورك، ونصرنا لك على أعدائك، فليفرح قلبك، ولتطمئن نفسك، ولتعلم أننا أرحم بك وأرأف من نفسك. فلم يبق لك إلا انتظار وعد الله والتأسي بأولي العزم، من رسل الله. * (وما أنت عليهم بجبار) *، أي: مسلط عليهم * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) *، ولهذا قال: * (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) * والتذكير، هو تذكير بما تقرر في العقول والفطر، من محبة الخير وإيثاره وفعله، ومن بغض الشر ومجانبته، وإنما يتذكر بالتذكير، من يخاف وعيد الله. وأما من لم يخف الوعيد ولم يؤمن به، فهذا فائدة تذكيره إقامة الحجة عليه، لئلا يقول: * (ما جاءنا من بشير ولا نذير) *. آخر تفسير سورة (ق) والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. سورة الذاريات * (والذاريات ذروا * فالحاملات وقرا * فالجاريات يسرا * فالمقسمات أمرا * إنما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع) * هذا قسم من الله الصادق في قيله، بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافع، ما جعل على أن وعده صدق، وأن الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال، لواقع لا محالة، ما له من دافع. فإذا أخبر به الصادق العظيم وأقسم عليه، وأقام الأدلة والبراهين عليه، فلم يكذب به المكذبون، ويعرض عن العمل له العاملون. * (والذاريات) * هي الرياح التي تذرو في هبوبها * (ذروا) * بلينها، ولطفها، وقوتها، وإزعاجها. * (فالحاملات وقرا) *، هي: السحاب، تحمل الماء الكثير، الذي ينفع الله به العباد والبلاد. * (فالجاريات يسرا) *: النجوم التي تجري على وجه اليسر والسهولة، فتتزين بها السماوات، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وينتفع بالاعتبار بها. * (فالمقسمات أمرا) * الملائكة التي تقسم الأمر وتدبره بإذنه الله، فكل منهم قد جعله الله على تدبير أمر من أمور الدنيا والآخرة، لا يتعدى ما حد له وقدر، ورسم، ولا ينقص منه. * (والسماء ذات الحبك * إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك * قتل الخراصون * الذين هم في غمرة ساهون * يسألون أيان يوم الدين * يوم هم على النار يفتنون * ذوقوا فتنتكم ه ذا الذي كنتم به تستعجلون) * * (والسماء ذات الحبك) *، أي: ذات الطرائق الحسنة، التي تشبه حبك الرمال، ومياه الغدران، حين يحركها النسيم. * (إنكم) * أيها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم، * (لفي قول مختلف) * منكم من يقول: ساحر، ومنكم من يقول: كاهن، ومنكم من يقول: مجنون، إلى غير ذلك من الأقوال المختلفة، الدالة على حيرتهم وشكهم، وأن ما هم عليه باطل. * (يؤفك عنه من أفك) *، أي: يصرف عنه من صرف عن الإيمان، وانصرف عن أدلة الله اليقينية وبراهينه، واختلاف قولهم، دليل على فساده وبطلانه، كما أن الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم متفق، يصدق بعضه بعضا، لا تناقض فيه، ولا اختلاف، وذلك دليل على صحته، وأنه من عند الله * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *. يقول تعالى: * (قتل الخراصون) *، أي: قاتل الله الذين كذبوا على الله، وجحدوا آياته، وخاضوا بالباطل، ليدحضوا به الحق، الذين يقولون على الله ما لا يعلمون. * (الذين هم في غمرة) *، أي: في لجة من الكفر، والجهل، والضلال * (ساهون) *. * (يسألون) * عن وجه الشك والتكذيب في * (أيان يوم الدين) *، أي: متى يبعثون، مستبعدين لذلك. فلا تسأل عن حالهم وسوء مآلهم * (يوم هم على النار يفتنون) *، أي: يعذبون بسبب ما انطووا عليه من خبث الباطن والظاهر، ويقال لهم: * (ذوقوا فتنتكم) *، أي: العذاب والنار، الذي هو أثر ما افتتنوا به، من الابتلاء الذي صيرهم إلى الكفر والضلال. * (هذا) * العذاب، الذي وصلتم إليه، هو * (الذي كنتم به تستعجلون) *. فالآن تمتعوا بأنواع العقاب والنكال، والسلاسل والأغلال، والسخط والوبال. * (إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين * كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون * وفي أموالهم حق للسآئل والمحروم) * يقول تعالى في ذكر ثواب المتقين وأعمالهم، التي وصلوا بها إلى
(٨٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 803 804 805 806 807 808 809 810 811 812 813 ... » »»