تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٠٦
المعرض، من الملائكة، الذين وكلهم الله على حفظه، وحفظ أعماله، فيحضره يوم القيامة ويحضر أعماله ويقول: * (هذا ما لدي عتيد) *، أي: قد أحضرت ما جعلت عليه، من حفظه وحفظ عمله، فيجازى بعمله. ويقال لمن استحق النار: * (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) *، أي: كثير الكفر والعناد لآيات الله، المكثر من المعاصي، المجترىء على المحارم والمآثم. * (مناع للخير) *، أي: يمنع الخير الذي قبله، الذي أعظمه، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، مناع، لنفع ماله وبدنه. * (معتد) * على عباد الله، وعلى حدوده، * (مريب) *، أي: شاك في وعد الله ووعيده، فلا إيمان ولا إحسان ولكن وصفه الكفر والعدوان، والشك والريب والشح، واتخاذ الآلهة من دون الرحمن، ولهذا قال: * (الذي جعل مع الله إلها آخر) *، أي: عبد معه غيره، ممن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة، ولا نشورا. * (فألقياه) * أيها الملكان القرينان * (في العذاب الشديد) * الذي هو معظمها وأشدها وأشنعها. * (قال قرينه) * الشيطان، متبرئا منه، حاملا عليه إثمه: * (ربنا ما أطغيته) * لأني لم يكن لي عليه سلطان ولا حجة ولا برهان. * (ولكن كان في ضلال بعيد) *، فهو الذي ضل وبعد عن الحق، باختياره كما قال في الآية الأخرى: * (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم) * الآية. قال الله تعالى مجيبا لاختصامهم: * (لا تختصموا لدي) *، أي: لا فائدة في اختصامكم عندي، * (و) * الحال أني * (قد قدمت إليكم بالوعيد) *، أي: جاءتكم رسلي بالآيات البينات، والحجج الواضحات، والبراهين الساطعات، فقامت عليكم حجتي، وانقطعت حجتكم، وقدمتم إلي بما أسلفتم من الأعمال التي وجب جزاؤها. * (ما يبدل القول لدي) *، أي: لا يمكن أن يخلف ما قاله الله وأخبر به، لأنه لا أصدق من الله قيلا، ولا أصدق حديثا. * (وما أنا بظلام للعبيد) *، بل أجزيهم بما عملوا من خير وشر، فلا يزاد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم. * (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد * وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * ه ذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحم ن بالغيب وجآء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشآءون فيها ولدينا مزيد) * يقول تعالى مخوفا لعباده: * (يوم نقول لجهنم هل امتلأت) *، وذلك من كثرة ما ألقي فيها. * (وتقول هل من مزيد) *، أي: لا تزال تطلب الزيادة، من المجرمين العاصين، غضبا لربها، وغيظا على الكافرين. وقد وعدها الله ملأها، كما قال تعالى: * (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * حتى يضع رب العزة عليها قدمه الكريمة المنزهة عن التشبيه، فينزوي بعضها على بعض، وتقول: قط قط، قد اكتفيت وامتلأت. * (وأزلفت الجنة) *، أي: قربت * (للمتقين غير بعيد) * بحيث تشاهد وينظر ما فيها، من النعيم المقيم، والحبرة والسرور، وإنما أزلفت وقربت، لأجل المتقين لربهم، التاركين للشرك، كبيره وصغيره، الممتثلين لأوامر ربهم، المنقادين له. ويقال لهم على وجه التهنئة: * (هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ) *، أي: هذه الجنة وما فيها، مما تشتبيه الأنفس، وتلذ الأعين، هي التي وعد الله كل أواب، أي: رجاع إلى الله، في جميع الأوقات، بذكره وحبه، والاستعانة به، ودعائه وخوفه ورجائه. * (حفيظ) *، أي: محافظ على ما أمر الله به، بامتثاله على وجه الإخلاص، والإكمال له على أتم الوجوه، حفيظ لحدوده. * (من خشي الرحمن) *، أي: خافه على وجه المعرفة بربه، والرجاء لرحمته ولازم على
(٨٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 801 802 803 804 805 806 807 808 809 810 811 ... » »»