تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٠٧
خشية الله في حال غيبه، أي: مغيبه عن أعين الناس، وهذه هي الخشية الحقيقية. وأما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم، فقد تكون رياء وسمعة، فلا تدل على الخشية، وإنما الخشية النافعة، خشيته في الغيب والشهادة. * (وجاء بقلب منيب) *، أي: وصفه الإنابة إلى مولاه، وانجذاب دواعيه إلى مراضيه. ويقال لهؤلاء الأتقياء الأبرار: * (ادخلوها بسلام) *، أي: دخولا مقرونا بالسلامة من الآفات والشرور، مأمونا فيه جميع مكاره الأمور، فلا انقطاع لنعيمهم، ولا كدر، ولا تنغيص. * (ذلك يوم الخلود) * الذي لا زوال له ولا موت، ولا شيء من المكدرات. * (ولهم ما يشاءون فيها) *، أي: كل ما تعلقت به مشيئتهم، فهو حاصل فيها. * (ولدينا) * فوق ذلك * (مزيد) *، أي: ثواب يمدهم به الرحمن الرحيم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وأعظم ذلك وأجله وأفضله، النظر إلى وجهه الكريم، والتمتع بسماع كلامه، والتنعم بقربه، فنسأله ذلك من فضله. * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) * يقول تعالى مخوفا للمشركين المكذبين للرسول: * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) *، أي: أمما كثيرة * (هم أشد منهم بطشا) *، أي: قوة وآثارا في الأرض. ولهذا قال: * (فنقبوا في البلاد) *، أي: بنوا الحصون المنيعة والمنازل الرفيعة، وغرسوا الأشجار، وأجروا الأنهار، وزرعوا، وعمروا، ودمروا. فلما كذبوا رسل الله، وجحدوا آياته، أخذهم الله بالعقاب الأليم، والعذاب الشديد. * (هل من محيص) *، أي: لا مفر لهم من عذاب الله، حين نزل بهم، ولا منقذ، فلم تغن عنهم قوتهم، ولا أموالهم، ولا أولادهم. * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) *، أي: قلب عظيم حي، ذكي، زكي، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله، تذكر بها، وانتفع، فارتفع. وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها، استماعا يسترشد به، وقلبه * (شهيد) *، أي: حاضر، فهذا أيضا له ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى. وأما المعرض، الذي لم يصغ سمعه إلى الآيات، فهذا لا تفيده شيئا، لأنه لا قبول عنده، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا نعته. * (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) * وهذا إخبار منه تعالى عن قدرته العظيمة، ومشيئته النافذة، التي أوجد بها أعظم المخلوقات * (السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) *، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، من غير تعب ولا نصب، ولا لغوب، ولا إعياء. فالذي أوجدها على كبرها وعظمها قدر على إحياء الموتى، من باب أولى وأحرى. * (فاصبر على ما يقولون) * من الذم لك والتكذيب بما جئت به، واشتغل عنهم بطاعة ربك وتسبيحه، أول النهار وآخره، في أوقات الليل، وأدبار الصلوات. فإن ذكر الله تعالى مسل للنفس، مؤنس لها، مهون للصبر. * (واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب * يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج * إنا نحن نحي ي ونميت وإلينا المصير * يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير * نحن أعلم بما يقولون ومآ أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) * أي: * (واستمع) * بقلبك * (يوم يناد المنادي) * وهو إسرافيل عليه السلام، أي: حين ينفخ في الصور * (من مكان قريب) * من الأرض. * (يوم يسمعون) * تلك * (الصيحة) * المزعجة المهولة * (بالحق) * الذي لا شك فيه ولا امتراء. * (ذلك يوم الخروج) * من القبور، الذي انفرد به القادر عل كل شيء، ولهذا قال: * (إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير * يوم تشقق الأرض
(٨٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 802 803 804 805 806 807 808 809 810 811 812 ... » »»