تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨١١
قد أعدت لغير الضيف الحاضر، إذا جعلت له، ليس فيها أقل إهانة، بل ذلك من الإكرام، كما فعل إبراهيم عليه السلام، وأخبر الله أن ضيفه مكرمون. ومنها: ما من الله به على خليله إبراهيم، من الكرم الكثير، وكون ذلك حاضرا لديه، وفي بيته معدا، لا يحتاج إلى أن يأتي به من السوق أو الجيران، أو غير ذلك. ومنها: أن إبراهيم، هو الذي خدم أضيافه، وهو خليل الرحمن، وسيد من ضيف الضيفان. ومنها: أنه قربه إليهم في المكان الذي هم فيه، فلم يجعله في موضع، ويقول لهم: (تفضلوا، أو ائتوا عليه) لأن هذا أيسر وأحسن. ومنها: حسن ملاطفة الضيف في الكلام اللين، خصوصا عند تقديم الطعام إليه، فإن إبراهيم عرض عليهم عرضا لطيفا، فقال: * (ألا تأكلون) *، ولم يقل: (كلوا) ونحوه من الألفاظ، التي غيرها أولى منها، بل أتى بأداة العرض، فقال: * (ألا تأكلون) *. فينبغي للمقتدى به أن يستعمل من الألفاظ الحسنة، ما هو المناسب واللائق بالحال، كقوله لأضيافه: (ألا تأكلون) أو: (ألا تتفضلون) أو (تشرفوننا وتحسنون إلينا)، ونحو ذلك. ومنها: أن من خاف من أحد، لسبب من الأسباب، فإن عليه أن يزيل عنه الخوف، ويذكر له ما يؤمن روعه، ويسكن جأشه، كما قالت الملائكة لإبراهيم لما خافهم: * (لا تخف) *، وأخبروه بتلك البشارة السارة، بعد الخوف منهم. ومنها: شدة فرح سارة، امرأة إبراهيم، حتى جرى منها ما جرى، من صك وجهها، وصرتها غير المعهود. ومنها: ما أكرم الله به إبراهيم وزوجته سارة، من البشارة، بغلام عليم. * (وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم) * أي: * (وفي موسى) * وما أرسله الله به فرعون وملأه، بالآيات البينات، والمعجزات الظاهرات، آية للذين يخافون العذاب الأليم، فلما أتى موسى بذلك السلطان المبين، تولى فرعون * (بركنه) *، أي: أعرض بجانبه عن الحق، ولم يلتفت إليه، وقدحوا فيه أعظم القدح، فقالوا: * (ساحر أو مجنون) *، أي: إن موسى، لا يخلو، إما أن يكون ما أتى به سحرا وشعوذة، ليس من الحق في شيء، وإما أن يكون مجنونا، لا يؤخذ بما صدر منه لعدم عقله. هذا، وقد علموا، خصوصا فرعون، أن موسى صادق، كما قال تعالى: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) *. وقال موسى لفرعون: * (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر) * الآية. * (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم) *، أي: مذنب طاغ، عات على الله، فأخذه أخذ عزيز مقتدر. * (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم * ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم) * أي: * (و) * آية لهم * (في عاد) * القبيلة المعروفة * (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) *، أي: التي لا خير فيها، حين كذبوا نبيهم هودا عليه السلام. * (ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم) *، أي: كالرمم البالية، فالذي أهلكهم على قوتهم وبطشهم، دليل على كمال قوته واقتداره، الذي لا يعجزه شيء، المنتقم ممن عصاه. * (وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين) * أي: * (وفي ثمود) * آية عظيمة، حين أرسل الله إليهم صالحا عليه السلام، فكذبوه وعاندوه، وبعث الله له الناقة، آية مبصرة، فلم يزدهم ذلك إلا عتوا ونفورا. * (إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة) *، أي: الصيحة العظيمة المهلكة * (وهم ينظرون) * إلى عقوبتهم بأعينهم. * (فما استطاعوا من قيام) * ينجون به من العذاب * (وما كانوا منتصرين) * لأنفسهم. * (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين) * أي: وكذلك ما فعل الله بقوم نوح، حين كذبوا نوحا عليه السلام، وفسقوا عن أمر الله. فأرسل عليهم السماء والأرض بماء منهمر، فأغرقهم عن آخرهم، ولم يبق من الكافرين ديارا، وهذه عادة الله وسنته، فيمن عصاه. * (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون * ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون * ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين * ولا تجعلوا مع الله إل ها آخر إني لكم منه نذير مبين) * يقول تعالى مبينا لقدرته العظيمة: * (والسماء بنيناها) *، أي: خلقناها وأتقناها، وجعلناها سقفا للأرض وما عليها. * (بأيد) *، أي: بقوة وقدرة عظيمة
(٨١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 806 807 808 809 810 811 812 813 814 815 816 ... » »»