الأشقى) *. وأما من ليس له معه إيمان ولا استعداد لقبول التذكير، فهذا لا ينفع تذكيره، بمنزلة الأرض السبخة التي لا يفيدها المطر شيئا، وهؤلاء الصنف، لو جاءتهم كل آية لا يؤمنوا بها حتى يروا العذاب الأليم. * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق ومآ أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه. وذلك متوقف على معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة بربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم. * (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) * تعالى الله الغني عن الحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، وإنما جميع الخلق فقراء إليه، في جميع حوائجهم ومطالبهم، الضرورية وغيرها، ولهذا قال: * (إن الله هو الرزاق) *، أي: كثير الرزق، الذي ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها. * (ذو القوة المتين) *، أي: الذي له القوة والقدرة كلها، الذي أوجد بها الأجرام العظيمة، السفلية والعلوية، وبها تصرف في الظواهر والبواطن ونفذت مشيئته في جميع البريات، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يعجزه هارب، ولا يخرج على سلطانه أحد، ومن قوته أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم. ومن قدرته وقوته أن يبعث الأموات بعدما مزقهم البلى، وعصفت بهم الرياح، وابتلعتهم الطيور والسباع، وتمزقوا وتفرقوا في مهامه القفار، ولجج البحار، فلا يفوته منهم أحد، ويعلم ما تنقص الأرض منهم، فسبحان القوي المتين. * (فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون * فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) * أي: * (فإن الذين ظلموا) * بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم من العذاب والنكال * (ذنوبا) *، أي: نصيبا وقسطا، مثل ما فعل بأصحابهم من أهل الظلم والتكذيب. * (فلا يستعجلون) * بالعذاب، فإن سنة الله في الأمم واحدة. فكل مكذب يدوم على تكذيبه من غير توبه وإنابة، فإنه لا بد أن يقع عليه العذاب، ولو تأخر عنه مدة، ولهذا توعدهم الله بيوم القيامة، فقال: * (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) * وهو يوم القيامة، الذي قد وعدوا فيه بأنواع العذاب والنكال والأغلال، فلا مغيث، ولا منقذ لهم من عذاب الله. نعوذ بالله منه. تم تفسير سورة الذاريات. سورة الطور * (والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور * والسقف المرفوع * والبحر المسجور * إن عذاب ربك لواقع * ما له من دافع * يوم تمور السماء مورا * وتسير الجبال سيرا * فويل يومئذ للمكذبين * الذين هم في خوض يلعبون * يوم يدعون إلى نار جهنم دعا * ه ذه النار التي كنتم بها تكذبون * أفسحر ه ذا أم أنتم لا تبصرون * اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون) * يقسم تعالى بهذه الأمور العظيمة، المشتملة على الحكم الجليلة، على البعث والجزاء للمتقين، والمكذبين، فأقسم بالطور، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، عليه الصلاة والسلام، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام. وفي ذلك من المنة عليه وعلى أمته، ما هو من آيات الله العظيمة، ونعمه التي لا يقدر العباد لها على عد ولا ثمن. * (وكتاب مسطور) * يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ، الذي كتب الله به كل شيء، ويحتمل أن المراد به القرآن الكريم، الذي هو أفضل الكتب، أنزله الله محتويا على نبأ الأولين والآخرين، وعلوم السابقين واللاحقين. وقوله: * (في رق) *، أي: ورق * (منشور) *، أي: مكتوب مسطور، ظاهر غير خفي، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير. * (والبيت المعمور) * وهو البيت الذي فوق السماء السابعة، المعمور مدى الأوقات، بالملائكة الكرام، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، يتعبدون فيه لربهم، ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وقيل: إن البيت المعمور هو بيت الله الحرام، والمعمور بالطائفين، والمصلين، والذاكرين كل وقت، وبالوفود إليه بالحج والعمرة. كما أقسم الله به في قوله: * (وهذا البلد الأمين) *، وحقيق ببيت هو أفضل بيوت الأرض، الذي يقصده الناس بالحج والعمرة، أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، التي لا يتم إلا بها، وهو الذي بناه إبراهيم وإسماعيل، وجعله الله مثابة للناس وأمنا، أن يقسم الله به، ويبين من عظمته ما هو اللائق به وبحرمته. * (والسقف المرفوع) *، أي: السماء، التي جعلها الله سقفا للمخلوقات، وبناء للأرض، تستمد منه أنوارها، ويقتدى بعلاماتها ومنارها، وينزل الله منها المطر والرحمة، وأنواع الرزق. * (والبحر المسجور) *، أي: المملوء
(٨١٣)