وصدق به، قد استقام أمره، واعتدل سبيله، وصدق فعله قيله. * (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) * لما ذكر تعالى حالة المكذبين، وما ذمهم به، دعاهم إلى النظر في آياته الأفقية، كي يعتبروا، ويستدلوا بها على ما جعلت أدلة عليه، فقال: * (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم) *، أي: لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل، بل هو في غاية السهولة. فينظروا * (كيف بنيناها) * قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، مزينة بالنجوم الخنس، والجواري الكنس، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، لا ترى فيها عيبا، ولا فروجا، ولا خلالا، ولا إخلالا. قد جعلها الله سقفا لأهل الأرض، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع. * (و) * إلى * (الأرض كيف مددناها) * ووسعناها، حتى أمكن كل حيوان السكون فيها والاستقرار، والاستعداد لجميع مصالحه، وأرساها بالجبال، لتستقر من التزلزل والتموج. * (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) *، أي: من كل صنف من أصناف النبات، التي تسر ناظريها، وتعجب مبصريها، وتقر عين رامقيها، لأكل بني آدم، وأكل بهائمهم، ومنافعهم. وخص من تلك المنافع، الجنات المشتملة على الفواكه اللذيذة، من العنب والرمان والأترج والتفاح، وغير ذلك من أصناف الفواكه. ومن النخيل الباسقات، أي: الطوال، التي يطول نفعها، وترتفع إلى السماء حتى تبلغ مبلغا لا يبلغه كثير من الأشجار، فتخرج من الطلع النضيد، في قنوانها، ما هو رزق للعباد قوتا وأدما وفاكهة، يأكلون منه ويدخرون، هم ومواشيهم. وكذلك يخرج الله بالمطر، وما هو أثره من الأنهار، التي على وجه الأرض وتحتها من * (حب الحصيد) *، أي: من الزرع المحصود، من بر وشعير، وذرة، وأرز، ودخن وغيره. فإن في النظر في هذه الأشياء * (تبصرة) * يتبصر بها من عمى الجهل، * (وذكرى) * يتذكر بها، ما ينفع في الدين والدنيا، ويتذكر بها، ما أخبر الله به، وأخبرت به رسله، وليس ذلك لكل أحد، بل * (لكل عبد منيب) * إلى الله، أي: مقبل عليه بالحق والخوف والرجاء، وإجابة داعيه. وأما المكذب والمعرض، فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون. وحاصل هذا، أن ما فيها من الخلق الباهر، والقوة والشدة، دليل على كمال قدرة الله تعالى. وما فيها من الحسن والإتقان، وبديع الصنعة، وبديع الخلقة، دليل على أن الله أحكم الحاكمين، وأنه بكل شيء عليم. وما فيها من المنافع والمصالح للعباد، دليل على رحمة الله التي وسعت كل شيء، وجوده الذي عم كل حي. وما فيها من عظمة الخلقة، وبديع النظام، دليل على أن الله تعالى، هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له كفوا أحد، وأنه الذي لا تنبغي العبادة والذل والحب إلا له. وما فيها من إحياء الأرض بعد موتها، دليل على إحياء الله الموتى، ليجازيهم بأعمالهم، ولهذا قال: * (وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) *. ولما ذكرهم بهذه الآيات السماوية والأرضية، خوفهم أخذات الأمم، وألا يستمروا على ما هم عليه من التكذيب، فيصيبهم ما أصاب إخوانهم من المكذبين، فقال: * (كذبت قبلهم قوم نوح) * إلى: * (من خلق جديد) *. * (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) * أي: كذب الذين من قبلهم من الأمم، رسلهم الكرام، وأنبياءهم العظام ك (نوح) كذبه قومه، و (ثمود) كذبوا (صالحا)، وعاد كذبوا (هودا)، وإخوان لوط كذبوا (لوطا)، وأصحاب الأيكة كذبوا (شعيبا)، وقوم تبع (وتبع) كل ملك ملك اليمن في الزمان السابق قبل الإسلام فقوم تبع كذبوا الرسول، الذي أرسله الله إليهم، ولم يخبرنا الله من هو ذلك الرسول، وأي تبع من التبابعة، لأنه والله أعلم كان مشهورا عند العرب العرباء، الذين لا تخفى ماجرياتهم على العرب، خصوصا مثل هذه الحادثة العظيمة . فهؤلاء كلهم كذبوا الرسل، الذين أرسلهم الله إليهم، فحق عليهم وعيد الله وعقوبته. ولستم أيها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم خيرا منهم، ولا
(٨٠٤)