رسلهم أكرم على الله من رسولكم، فاحذروا جرمهم، لئلا يصيبكم ما أصابهم. ثم استدل تعالى بالخلق الأول وهو النشأة الأولى على الخلق الآخر، وهو النشأة الآخرة. فكما أنه الذي أوجدهم بعد العدم، كذلك يعيدهم بعد موتهم وصيرورتهم إلى الرفات والرمم، فقال: * (أفعيينا) *، أي: أفعجزنا وضعفت قدرتنا * (بالخلق الأول) *؟ ليس الأمر كذلك، فلم نعجز ونعي عن ذلك، وليسوا في شك من ذلك. * (بل هم في لبس من خلق جديد) * هذا الذي شكوا فيه، والتبس عليهم أمره، مع أنه لا محل للبس فيه، لأن الإعادة أهون من الابتداء كما قال تعالى: * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) *. * (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد * وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد * ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجآءت كل نفس معها سآئق وشهيد * لقد كنت في غفلة من ه ذا فكشفنا عنك غطآءك فبصرك اليوم حديد) * يخبر تعالى، أنه المتفرد بخلق جنس الإنسان، ذكورهم وإناثهم، وأنه يعلم أحواله، وما يسره، وتوسوس به نفسه. وأنه * (أقرب إليه من حبل الوريد) * الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان، وهو: العظم المكتنف لثغرة النحر، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه، المطلع على ضميره وباطنه، القريب إليه في جميع أحواله، فيستحيي منه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره. وكذلك ينبغي له أن يجعل الملائكة الكرام الكاتبين منه على بال، فيجلهم ويوقرهم، ويحذر أن يفعل أو يقول ما يكتب عنه، مما لا يرضي رب العالمين، ولهذا قال: * (إذ يتلقى المتلقيان) *، أي: يتلقيان عن العبد أعماله كلها، واحد * (عن اليمين) * يكتب الحسنات، * (و) * الآخر * (عن الشمال) * يكتب السيئات، وكل منهما * (قعيد) * بذلك متهيىء لعمله الذي أعد له، ملازم لذلك. * (ما يلفظ من قول) * من خير أو شر * (إلا لديه رقيب عتيد) *، أي: مراقب له، حاضر لحاله، كما قال تعالى: * (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) *. أي: * (وجاءت) * هذا الغافل المكذب بآيات الله * (سكرة الموت بالحق) * الذي لا مرد له ولا مناص، * (ذلك ما كنت منه تحيد) *، أي: تتأخر وتنكص عنه. * (ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد) *، أي: اليوم الذي يلحق الظالمين ما أوعدهم الله به من العقاب، والمؤمنين ما وعدهم به من الثواب. * (وجاءت كل نفس معها سائق) * يسوقها إلى موقف القيامة، فلا يمكنها أن تتأخر عنه، * (وشهيد) * يشهد عليها بأعمالها، خيرها وشرها، وهذا يدل على اعتناء الله بالعباد، وحفظه لأعمالهم، ومجازاته لهم بالعدل، فهذا الأمر، مما يجب أن يجعله العبد منه على بال. ولكن أكثر الناس غافلون، ولهذا قال: * (لقد كنت في غفلة من هذا) *، أي: يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام، توبيخا، ولوما وتعنيفا، أي: لقد كنت مكذبا بهذا، تاركا العمل له * (ف) * الآن * (كشفنا عنك غطاءك) * الذي غطى قلبك، فكثر نومك، واستمر إعراضك، * (فبصرك اليوم حديد) * ينظر ما يزعجه ويروعه، من أنواع العذاب والنكال. أو هذا خطاب من الله للعبد، فإنه في الدنيا، في غفلة عما خلق له، ولكنه يوم القيامة ينتبه ويزول عنه وسنه، في وقت لا يمكنه أن يتدارك الفارط، ولا يستدرك الفائت، وهذا كله تخويف من الله للعباد، وترهيب بذكر ما يكون على المكذبين في ذلك اليوم العظيم. * (وقال قرينه ه ذا ما لدي عتيد * ألقيا في جهنم كل كفار عنيد * مناع للخير معتد مريب * الذي جعل مع الله إل ها آخر فألقياه في العذاب الشديد * قال قرينه ربنا ما أطغيته ول كن كان في ضلال بعيد * قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي ومآ أنا بظلام للعبيد) * يقول تعالى: * (وقال قرينه) *، أي: قرين هذا المكذب
(٨٠٥)