السكينة عليهم) * شكرا لهم على ما في قلوبهم، وزادهم هدى. وعلم ما في قلوبهم من الجزع، من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله، فأنزل عليهم السكينة، تثبتهم، وتطمئن بها قلوبهم * (وأثابهم فتحا قريبا) *، وهو فتح خيبر، لم يحضره سوى أهل الحديبية. فاختصوا بخيبر وغنائمها، جزاءا لهم، وشكرا على ما فعلوه من طاعة الله تعالى، والقيام بمرضاته. * (ومغانم كثيرة يأخذونها، وكان الله عزيزا حكيما) *، أي: له العزة والقدرة، التي قهر بها الأشياء، فلو شاء لانتصر من الكفار في كل وقعة تكون بينهم وبين المؤمنين. ولكنه حكيم، يبتلي بعضهم ببعض، ويمتحن المؤمن بالكافر. * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) * وهذا يشمل كل غنيمة غنمها المسلمون إلى يوم القيامة. * (فعجل لكم هذه) *، أي: غنيمة خيبر، أي: فلا تحسبوها وحدها، بل ثم شيء كثير من الغنائم سيتبعها. * (و) * احمدوا الله، إذ * (كف أيدي الناس) * القادرين على قتالكم، الحريصين عليه * (عنكم) * فهي نعمة، وتخفيف عنكم. * (ولتكون) * هذه الغنيمة * (آية للمؤمنين) * يستدلون بها على خبر الله الصادق، ووعده الحق، وثوابه للمؤمنين، وأن الذي قدرها، سيقدر غيرها. * (ويهديكم) * بما يقيض لكم من الأسباب * (صراطا مستقيما) * من العلم والإيمان والعمل. * (وأخرى) *، أي: وعدكم أيضا غنيمة أخرى * (لم تقدروا عليها) * وقت هذا الخطاب. * (قد أحاط الله بها) *، أي: هو قادر عليها، وهي تحت تدبيره وملكه، وقد وعدكموها، فلا بد من وقوع ما وعد به، لكمال اقتدار الله تعالى، ولهذا قال: * (وكان الله على كل شيء قديرا) *. * (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا * سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) * هذه بشارة من الله لعباده المؤمنين، بنصرهم على أعدائهم الكافرين، وأنهم لو قابلوهم وقاتلوهم * (لولوا الأدبار، ثم لا يجدون وليا) * يتولى أمرهم. * (ولا نصيرا) * ينصرهم، ويعينهم على قتالكم، بل هم مخذولون مغلوبون. وهذه سنة الله في الأمم السابقة، أن جند الله هم الغالبون: * (ولن تجد لسنة الله تبديلا) *. * (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا * هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) * يقول تعالى ممتنا على عباده بالعافية، من شر الكفار ومن قتالهم، فقال: * (وهو الذي كف أيديهم) *، أي: أهل مكة * (عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) *، أي: من بعد ما قدرتم عليهم، وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد، وهم نحو ثمانين رجلا، انحدروا على المسلمين ليصيبوا منهم غرة. فوجدوا المسلمين منتبهين فأمسكوهم، فتركوهم، ولم يقتلوهم، رحمة من الله بالمؤمنين إذ لم يقتلوهم. * (وكان الله بما تعملون بصيرا) * فيجازي كل عامل بعمله، ويدبركم، أيها المؤمنون، بتدبيره الحسن. ثم ذكر تعالى، الأمور المهيجة على قتال المشركين، وهي: كفرهم بالله ورسوله، وصدهم رسوله الله ومن معه من المؤمنين، أن يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة. وهم الذين أيضا صدوا * (الهدي معكوفا) *، أي: محبوسا * (أن يبلغ محله) *، وهو محل ذبحه في مكة، حيث تذبح هدايا العمرة، فمنعوه من الوصول إليه ظلما وعدوانا، وكل هذه أمور موجبة، وداعية إلى قتالهم. ولكن ثم مانع وهو: وجود رجال ونساء من أهل الإيمان، بين أظهر المشركين، وليسوا بمتميزين بمحلة، أو مكان يمكن أن لا ينالهم أذى. فلولا هؤلاء الرجال المؤمنون، والنساء المؤمنات، الذين لا يعلمهم المسلمون أن تطأوهم، أي: خشية أن تطأوهم * (فتصيبكم منهم معرة بغير علم) *، والمعرة: ما يدخل تحت قتالهم، من نيلهم بالأذى والمكروه. وفائدة أخروية، وهو: أنه * (ليدخل الله في رحمته من يشاء) * فيمن عليهم بالإيمان بعد الكفر، وبالهدى بعد الضلال، فيمنعكم من قتالهم لهذا السبب. * (لو تزيلوا) *، أي: لو زالوا من بين أظهرهم * (لعذبنا الذي كفروا منهم عذابا أليما) * بأن نبيح لكم قتالهم، ونأذن فيه، وننصركم عليهم. * (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما) * يقول تعالى: * (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) * حيث أنفوا من كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) وأنفوا من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إليهم في تلك السنة، لئلا يقول الناس: (دخلوا مكة قاهرين لقريش). وهذه الأمور ونحوها، من أمور الجاهلية، لم تزل في قلوبهم حتى أوجبت لهم ما أوجبت،
(٧٩٤)