تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٦٧
عليه، ويذكركم الشر ويرهبكم عنه. * (وسوف تسألون) * عنه، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم، أم لم تقوموا به؟ فيكون حجة عليكم، وكفرا منكم بهذه النعمة. * (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) * حتى يكون للمشركين نوع حجة، يتبعون فيها أحدا من الرسل. فإنك لو سألتهم، واستخبرت عن أحوالهم، لم تجد أحدا منهم يدعو إلى اتخاذ إله آخر مع الله، وأن كل الرسل، من أولهم إلى آخرهم، يدعون إلى عبادة الله، وحده لا شريك له. قال تعالى: * (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) * ولك رسول بعثه الله، يقول لقومه: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. فدل هذا، أن المشركين ليس لهم مستند في شركهم، لا من عقل صحيح، ولا نقل عن الرسل. لما قال تعالى: * (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) * بين تعالى حال موسى ودعوته، التي هي أشهر ما يكون من دعوات الرسل، ولأن الله تعالى، أكثر من ذكرها في كتابه، فذكر حاله مع فرعون. * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنآ إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين * فلما جاءهم بآياتنآ إذا هم منها يضحكون * وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون * وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون * فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون * ونادى فرعون في قومه قال يقوم أليس لي ملك مصر وه ذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون * أم أنآ خير من ه ذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين * فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين * فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين * فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين * فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) * * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) * التي دلت دلالة قاطعة على صحة ما جاء به، كالعصا، والحية، وإرسال الجراد، والقمل، إلى آخر الآيات. * (إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين) * فدعاهم إلى الإقرار بربهم، ونهاهم عن عبادة ما سواه. * (فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون) * أي: ردوها وأنكروها، واستهزأوا بها، ظلما وعلوا. فلم يكن لقصور بالآيات وعدم وضوح فيها، ولهذا قال: * (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) * أي: الآية المتأخرة أعظم من السابقة * (وأخذناهم بالعذاب) * كالجراد، والقمل والضفادع، والدم، آيات مفصلات. * (لعلهم يرجعون) * إلى الإسلام، ويذعنون له، ليزول شركهم وشرهم. * (وقالوا) * عندما نزل عليهم العذاب: * (يا أيها الساحر) * يعنون موسى عليه السلام. وهذا، إما من باب التهكم به، وإما أن يكون هذا الخطاب عندهم، مدحا، فتضرعوا إليه بأن خاطبوه، بما يخاطبون من يزعمون أنهم علماؤهم، وهم السحرة فقالوا: * (يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك) * أي: بما خصك الله به، وفضلك به، من الفضائل والمناقب، أن يكشف عنا العذاب * (إننا لمهتدون) * إن كشف الله عنا ذلك. * (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) * أي: لم يفوا بما قالوا، بل غدروا، واستمروا على كفرهم. وهذا كقوله تعالى: * (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين * ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل * فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) *. * (ونادى فرعون في قومه قال) * مستعليا بباطله، قد غره ملكه، وأطغاه ماله وجنوده: * (يا قوم أليس لي ملك مصر) * أي: ألست المالك لذلك، المتصرف فيه. * (وهذه الأنهار تجري من تحتي) * أي: الأنهار المنسحبة من النيل، في وسط القصور والبساتين. * (أفلا تبصرون) * هذا الملك الطويل العريض. وهذا من جهله البليغ، حيث افتخر بأمر خارج عن ذاته، ولم يفخر بأوصاف حميدة، ولا أفعال سديدة. * (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) * يعني قبحة الله بالمهين، موسى بن عمران، كليم الرحمن، الوجيه عند الله. أي: أنا العزيز، وهو الذليل المهان المحتقر، فأينا خير؟ * (و) * مع هذا فإنه * (لا يكاد يبين) * عما في ضميره بالكلام، لأنه ليس بفصيح اللسان. وهذا ليس من العيوب في شيء، إذا كان يبين ما في قلبه، ولو كان الكلام ثقيلا عليه. ثم قال فرعون: * (فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب) * أي: فهلا كان موسى بهذه الحالة، أن يكون مزينا مجملا بالحلي والأساور؟ * (أو جاء معه الملائكة مقترنين) * يعاونونه على دعوته، ويؤيدونه على قوله. * (فاستخف قومه فأطاعوه) * أي: استخف فرعون عقولهم، بما أبدي لهم من هذه الشبه، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا حقيقة تحتها، وليست دليلا على حق ولا على باطل، ولا تروج إلا على ضعفاء العقول. فأي دليل، يدل على أن فرعون محق، في كون ملك مصر له، وأنهارها تجري من تحته؟ وأي دليل يدل على بطلان ما جاء به موسى، لقلة أتباعه، وثقل لسانه، وعدم تحلية أمه له بأساور من ذهب؟ ولكن فرعون لقي ملأ لا معقول عندهم، فمهما قال اتبعوه، من حق وباطل. * (إنهم كانوا قوما فاسقين) * فبسبب فسقهم، قيض لهم
(٧٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 762 763 764 765 766 767 768 769 770 771 772 ... » »»