* (وإن تصبهم سيئة) * أي: مرض، أو فقر، أو نحوهما * (بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور) * أي: طبيعته كفران النعمة السابقة، والتسخط لما أصابه، من السيئة. * (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) * هذه الآية، فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى، ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور. حتى أن تدبيره تعالى، من عمومه، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب لولادة الأولاد، فالله تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء. فمن الخلق من يهب له إناثا، ومنهم من يهب له ذكورا. ومنهم من يزوجه، أي: يجمع له ذكورا وإناثا. ومنهم من يجعله عقيما، لا يولد له. * (إنه عليم) * بكل شيء * (قدير) * على كل شيء، فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء، بقدرته في مخلوقاته. * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم * وكذلك أوحينآ إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ول كن جعلناه نورا نهدي به من نشآء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور) * لما قال المكذبون لرسل الله، الكافرون بالله: * (لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) * من كبرهم وتجبرهم، رد الله عليهم بهذه الآية الكريمة، وبين أن تكليمه تعالى، لا يكون إلا لخواص خلقه، للأنبياء والمرسلين، وصفوته من العالمين، وأنه يكون على أحد هذه الأوجه. إما * (أن يكلمه الله وحيا) * بأن يلقي الوحي في قلب الرسول، من غير إرسال ملك، ولا مخاطبة منه شفاها. * (أو) * يكلمه منه شفاها لكن * (من وراء حجاب) * كما حصل لموسى بن عمران، كليم الرحمن. * (أو) * يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي * (يرسل رسولا) * كجبريل أو غيره من الملائكة. * (فيوحي بإذنه) * أي: بإذن ربه، لا بمجرد هواه * (ما يشاء) *. * (إنه) * تعالى * (علي) * الذات على الأوصاف، عظيمها على الأفعال، قد قهر كل شيء، ودانت له المخلوقات. * (حكيم) * في وضعه كل شيء موضعه، من المخلوقات والشرائع. * (وكذلك) * حين أوحينا إلى الرسل قبلك * (أوحينا إليك روحا من أمرنا) * وهو: هذا القرآن الكريم، سماه روحا، لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير، والعلم الغزير. وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال: * (ما كنت تدري) * أي: قبل نزوله عليك * (ما الكتاب ولا الإيمان) * أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أميا، لا تخط ولا تقرأ. فجاءك هذا الكتاب الذي * (جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) * يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم. * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) * أي: تبينه لهم وتوضحه، وترغبهم فيه، وتنهاهم عن ضده، وترهبهم منه ثم فسر الصراط المستقيم فقال: * (صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * أي: الصراط الذي نصبه الله لعباده، وأخبرهم أنه موصل إليه وإلى دار كرامته. * (ألا إلى الله تصير الأمور) * أي: ترجع جميع أمور الخير والشر، فيجازي كلا بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. سورة الزخرف * (ح م * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم * أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين) * هذا قسم بالقرآن، فأقسم بالكتاب المبين، وأطلق، ولم يذكر المتعلق، ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين والآخرة. * (إنا جعلناه قرآنا عربيا) * هذا هو المقسوم عليه، أنه جعل بأفصح اللغات وأوضحها، وأبينها، وهذا من بيانه. وذكر الحكمة في ذلك فقال: * (لعلكم تعقلون) * ألفاظه ومعانيه لتيسرها وقربها من الأذهان. * (وإنه) * أي: هذا الكتاب * (في أم الكتاب لدينا) * أي: في الملأ الأعلى في أعلى الرتب وأفضلها * (لعلي حكيم) * أي: لعلي في قدره، وشرفه، ومحله، حكيم فيما يشتمل عليه، من الأوامر، والنواهي، والأخبار، فليس فيه حكم مخالف للحكمة، والعدل، والميزان. ثم أخبر تعالى أن حكمته وفضله، تقتضي أن لا يترك عباده هملا، لا يرسل إليهم رسولا، ولا ينزل عليهم كتابا، ولو كانوا مسرفين ظالمين فقال: * (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) * أي: أفنعرض عنكم، ونترك إنزال الذكر إليكم ونضرب عنكم صفحا، لأجل إعراضكم، وعدم انقيادكم؟ بل ننزل عليكم الكتاب، ونوضح لكم فيه كل شيء. فإن آمنتم به واهتديتم، فهو من توفيقكم، وإلا، فقد قامت عليكم الحجة وكنتم على بينة من أمركم. * (وكم أرسلنا من نبي في الأولين * وما يأتيهم من نبي إلا
(٧٦٢)