تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٦٩
من إحياء الموتى، وإبراء الأكمة، والأبرص، ونحو ذلك من الآيات. * (قال) * لبني إسرائيل: * (قد جئتكم بالحكمة) * النبوة والعلم، بما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. * (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) * أي: أبين لكم صوابه وجوابه، فيزول عنكم بذلك اللبس. فجاء عليه السلام مكملا، ومتمما لشريعة موسى عليه السلام، ولأحكام التوراة. وأتى ببعض التسهيلات، الموجبة للانقياد له، وقبول ماجاءهم به. * (فاتقوا الله وأطيعون) * أي: اعبدوا الله وحده لا شريك له، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، وآمنوا بي، وصدقوني، وأطيعوني. * (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) * ففيه الإقرار بتوحيد الربوبية، بأن الله هو المربي جميع خلقه بأنواع النعم الظاهرة والباطنة والإقرار بتوحيد العبودية، بالأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وإخبار عيسى عليه السلام، أنه عبد من عباد الله، ليس كما قال النصاري فيه: (إنه ابن الله، أو ثالث ثلاثة) والإخبار بأن هذا المذكور، صراط مستقيم، موصل إلى الله وإلى جنته. فلما جاءهم عيسى عليه السلام بهذا * (اختلف الأحزاب) * المتحزبون على التكذيب * (من بينهم) * كل قال بعيسى عليه السلام، مقالة باطلة، ورد ما جاء به، إلا من هدى الله من المؤمنين، الذين شهدوا له بالرسالة، وصدقوا بكل ما جاء به، وقالوا: أنه عبد الله ورسوله. * (فويل للذين ظلموا) * أي: ما أشد حزن الظالمين * (من عذاب يوم أليم) * ومن أعظم خسارهم، في ذلك اليوم * (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) * يقول تعالى: * (هل ينظرون) * أي: هل ينتظر المكذبون، وهل يتوقعون * (إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) * أي: فإذا جاءت، فلا تسألوا عن أحوال من كذب بها، واستهزأ بمن جاء بها. وإن * (الأخلاء يومئذ) * أي: يوم القيامة، المتخالين على الكفر والتكذيب، ومعصية الله * (بعضهم لبعض عدو) * لأن خلتهم ومحبتهم في الدنيا، لغير الله، فانقلبت يوم القيامة عداوة. * (إلا المتقين) * للشرك والمعاصي، فإن محبتهم تدوم وتتصل، بدوام من كانت المحبة لأجله. ذكر ثواب المتقين، وأن الله تعالى يناديهم يوم القيامة بما يسر قلوبهم، ويذهب عنهم كل آفة وشر، فيقول: * (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) * أي: لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الأمور، ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها. وإذا انتفى المكروه من كل وجه، ثبت المحبوب المطلوب. * (الذين آمنوا بآياتنا) * أي: وصفهم الإيمان بآيات الله، وذلك شامل للتصديق بها، وما لا يتم التصديق إلا به، من العلم بمعناها والعمل بمقتضاها. * (وكانوا مسلمين) * لله منقادين في جميع أحوالهم. فجمعوا بين الاتصاف بعمل الظاهر والباطن. * (ادخلوا الجنة) * التي هي دار القرار * (أنتم وأزواجكم) * أي: من كان على مثل عملكم، من كل مقارن لكم، من زوجة، وولد، وصاحب، وغيرهم. * (تحبرون) * أي: تنعمون وتكرمون، ويأتيكم من فضل ربكم من الخيرات والسرور، والأفراح، واللذات، ما لا تعبر الألسن عن وصفه. * (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) * أي: تدور عليهم خدامهم، من الولدان المخلدين بطعامهم، بأحسن الأواني وأفخرها، وهي: صحاف الذهب وشرابهم، بألطف الأواني، وهي: الأكواب، التي لا عري لها، وهي من أصفى الأواني، من فضة أعظم من صفاء القوارير. * (وفيها) * أي: الجنة * (ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) * وهذا اللفظ جامع، يأتي على كل نعيم وفرح، وقرة عين، وسرور قلب. فكل ما تشتهيه النفوس، من مطاعم، ومشارب، وملابس، ومناكح وما تلذه العيون، من مناظر حسنة، وأشجار محدقة، ونعم مؤنقة، ومبان مزخرفة، فإنه حاصل فيها، معد لأهلها، على أكمل الوجوه وأفضلها، كما قال تعالى: * (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) *. * (وأنتم فيها خالدون) * وهذا هو تمام نعيم أهل الجنة، وهو: الخلد الدائم فيها، الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته، وعدم انقطاعه. * (وتلك الجنة) * الموصوفة بأكمل الصفات هي * (التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * أي: أورثكم الله إياها بأعمالكم، وجعلها من فضله، جزاء لها، وأودع فيها من رحمته ما أودع. * (لكم فيها فاكهة كثيرة) * كما في الآية الأخرى * (فيهما من كل فاكهة زوجان) *. * (منها تأكلون) * أي: مما تتخيرون من تلك الفواكه الشيهة،
(٧٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 764 765 766 767 768 769 770 771 772 773 774 ... » »»