وصفها، وفي منطقها وبيانها، ولهذا قال تعالى: * (أو من ينشأ في الحلية) * أي: يجمل فيها، لنقص جماله، فيجمل بأمر خارج منه؟ * (وهو في الخصام) * أي: عند الخصام، الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام * (غير مبين) * أي: غير مبين لحجته، ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره، فكيف ينسبونهن لله تعالى؟ ومنها: أنهم * (جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * فتجرؤوا على الملائكة، العباد المقربين، ورقوهم عن مرتبة العبادة والذل، إلى مرتبة المشاركة لله، في شيء من خواصه، ثم نزلوا بهم عن مرتبة الذكورية، إلى مرتبة الأنوثية. فسبحان من أظهر تناقض من كذب عليه، وعاند رسله. ومنها: أن الله رد عليهم بأنهم لم يشهدوا خلق الله لملائكته. فكيف يتكلمون بأمر من المعلوم عند كل أحد، أنه ليس لهم به علم؟ ولكن لا بد أن يسألوا عن هذه الشهادة، وستكتب عليهم، ويعاقبون عليها. وقوله تعالى: * (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) * فاحتجوا على عبادتهم الملائكة بالمشيئة، وهي حجة لم يزل المشركون يطرقونها، وهي حجة باطلة في نفسها، عقلا، وشرعا. فكل عاقل، لا يقبل الاحتجاج بالقدر، ولو سلكه في حالة من أحواله، لم يثبت عليها قدمه. وأما شرعا، فإن الله تعالى أبطل الاحتجاج به، ولم يذكره عن غير المشركين به، المكذبين لرسله، فإن الله تعالى قد أقام الحجة أصلا، ولهذا قال هنا: * (ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) * أي: يتخرصون تخرصا لا دليل عليه، ويتخطبون خبط عشواء. ثم قال: * (أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون) * يخبرهم بصحة أفعالهم، وصدق أقوالهم؟ ليس الأمر كذلك، فإن الله أرسل محمدا نذيرا إليهم، وهم لم يأتهم نذير غيره. أي: فلا عقل، ولا نقل، وإذا انتفى الأمران، فلا ثم إلا الباطل. نعم لهم شبهة من أوهي الشبه، وهي: تقليد آبائهم الضالين، الذين ما زال الكفرة يردون بتقليدهم دعوة الرسل، ولهذا قال هنا: * (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة) * أي: على دين وملة * (وإنا على آثارهم مهتدون) * أي: فلا نتبع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. * (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها) * أي: منعموها، وملؤها الذين أطغتهم الدنيا، وغرتهم الأموال، واستكبروا على الحق. * (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) * أي: فهؤلاء ليسوا ببدع منهم، وليسوا بأول من قال هذه المقالة. وهذا الاحتجاج، من هؤلاء المشركين الضالين، بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به، اتباع الحق والهدى، وإنما هو تعصب محض، يراد به نصرة ما معهم من الباطل. ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة * (أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) * أي: أفتتبعوني لأجل الهدى. * (قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) * يعلم بهذا، أنهم ما أرادوا اتباع الحق والهدى. وإنما قصدهم، اتباع الباطل والهوى. * (فانتقمنا منهم) * بتذكيبهم الحق، وردهم إياه، بهذه الشبهة الباطلة. * (فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) * فليحذر هؤلاء، أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم ما أصابهم. * (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون * بل متعت ه ؤلاء وآبآءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين * ولما جاءهم الحق قالوا ه ذا سحر وإنا به كافرون * وقالوا لولا نزل ه ذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) * يخبر تعالى عن ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي ينتسب إليه أهل الكتاب والمشركون، وكلهم يزعم أنه على طريقته. فأخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال: * (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه) * الذين اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونهم، ويتقربون إليهم: * (إنني براء مما تعبدون) * أي: مبغض له، مجتنب معاد لأهله * (إلا الذي فطرني) * فإني أتولاه، وأرجو أن يهديني للعلم بالحق، والعمل بالحق. فكما فطرني ودبرني بما يصلح بدني ودنياي * (فإنه سيهدين) * لما يصلح ديني وآخرتي. * (وجعلها) * أي: هذه الخصلة الحميدة، التي هي أم الخصال وأساسها، وهي إخلاص العبادة لله وحده، والتبري من عبادة ما سواه. * (كلمة باقية في عقبه) * أي: في ذريته * (لعلهم) * إليها * (يرجعون) * لشهرتها عنه، وتوصيته لذريته، وتوصية بعض بنيه كإسحاق ويعقوب لبعض، كما قال تعالى: * (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) * إلى آخر الآيات. فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام، حتى دخلهم الترف والطغيان.
(٧٦٤)