فرعون، يزين لهم الشرك والشر. * (فلما آسفونا) * أي: أغضبونا بأفعالهم * (انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) * ليعتبر بهم المعتبرون ويتعظ بأحوالهم المتعظون. * (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل * ولو نشآء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون * وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون ه ذا صراط مستقيم * ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين * ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون * إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ه ذا صراط مستقيم * فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم) * يقول تعالى: * (ولما ضرب ابن مريم مثلا) * أي: نهي عن عبادته، وجعلت عبادته بمنزلة عبادة الأصنام والأنداد. * (إذا قومك) * المكذبون لك * (منه) * أي: من أجل هذا المثل المضروب. * (يصدون) * أي: يلجون في خصومتهم لك، ويصيحون، ويزعمون أنهم قد غلبوا في حجتهم، وأفلحوا. * (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) * يعني: عيسى، حيث نهى عن عبادة الجميع، وشورك بينهم بالوعيد على من عبدهم، ونزل أيضا قوله تعالى: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) *. ووجه حجتهم الظالمة، أنهم قالوا: قد تقرر عندنا وعندك يا محمد، أن عيسى من عباد الله المقربين، الذين لهم العاقبة الحسنة، فلم سويت بينه وبين معبوداتنا، في النهي عن عبادة الجميع؟ فلولا أن حجتك باطلة لم تتناقض. ولو قلت: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) *. وهذا اللفظ بزعمهم، يعم الأصنام، وعيسى، فهل هذا إلا تناقض؟ وتناقض الحجة، دليل على بطلانها. هذا أقصى ما يقرون به هذه الشبهة، التي فرحوا بها، واستبشروا، وجعلوا يصدون ويتباشرون. وهي ولله الحمد من أضعف الشبه وأبطلها، فإن تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح، وبين النهي عن عبادة الأصنام، لأن العبادة، حق لله تعالى، لا يستحقها أحد من الخلق، لا الملائكة المقربون، ولا الأنبياء المرسلون، ولا من سواهم من الخلق. فأي شبهة، في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره؟ وليس في تفضيل عيسى عليه السلام، وكونه مقربا عند ربه ما يدل على الفرق بينه وبينها، في هذا الموضع. وإنما هو كما قال تعالى: * (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) * بالنبوة والحكمة والعلم والعمل * (وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) * يعرفون به قدرة الله تعالى على إيجاده من دون أب. وأما قوله تعالى: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) * فالجواب عنها من ثلاثة أوجه: أحدها: أن قوله: * (إنكم وما تعبدون من دون الله) * أن (ما) اسم لما لا يعقل، لا يدخل في المسيح ونحوه. الثاني: أن الخطاب للمشركين، الذين بمكة وما حولها، وهم إنما يعبدون أصناما وأوثانا. الثالث: أن الله قال بعد هذه الآية: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) *. فلا شك أن عيسى وغيره من الأنبياء والأولياء، داخلون في هذه الآية. ثم قال تعالى: * (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) * أي: لجعلنا بدلكم ملائكة يخلفونكم في الأرض، ويكونون في الأرض حتى نرسل إليهم ملائكة من جنسهم. وأما أنتم يا معشر البشر، فلا تطيقون أن ترسل إليكم الملائكة. فمن رحمة الله بكم، أن أرسل إليكم رسلا من جنسكم، تتمكنون من الأخذ عنهم. * (وإنه لعلم للساعة) * أي: وإن عيسى عليه السلام، لدليل على الساعة، وأن القادر على إيجاده، من أم بلا أب، قادر على بعث الموتى من قبورهم. أو، وإن عيسى عليه السلام، سينزل في آخر الزمان، ويكون نزوله، علامة من علامات الساعة. * (فلا تمترن بها) * أي: لا تشكن في قيام الساعة، فإن الشك فيها كفر. * (واتبعون) * بامتثال ما أمرتكم، واجتناب ما نهيتكم. * (هذا صراط مستقيم) * موصل إلى الله عز وجل. * (ولا يصدنكم الشيطان) * عما أمركم الله به * (إنه) * أي: الشيطان * (لكم عدو مبين) * حريص على إغوائكم، باذل جهده في ذلك. * (ولما جاء عيسى بالبينات) * الدالة على صدق نبوته وصحة ما جاءهم به،
(٧٦٨)