تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٦٣
كانوا به يستهزئون * فأهلكنآ أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين) * يقول تعالى: إن هذه سنتنا في الخلق، أن لا نتركهم هملا. * (وكم أرسلنا من نبي في الأولين) * يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له. ولم يزل التكذيب موجودا في الأمم. * (وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون) * جحدا لما جاء به، وتكبرا على الحق. * (فأهلكنا أشد منهم) * أي: من هؤلاء * (بطشا) * أي: قوة، وأفعالا وآثارا في الأرض. * (ومضي مثل الأولين) * أي: مضت أمثالهم، وأخبارهم، وبينا لكم منها، ما فيه عبرة ومزدجر عن التكذيب. * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم * الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون * والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون * والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا ه ذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون) * يخبر تعالى عن المشركين، أنك * (لئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) * أي: الله وحده لا شرك له، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات، بظواهر الأمور، وبواطنها، وأوائلها، وأواخرها. فإذا كانوا مقرين بذلك، فكيف يجعلون له الولد، والصاحبة، والشريك؟ وكيف يشركون به، من لا يخلق، ولا يرزق، ولا يميت، ولا يحيي؟. ثم ذكر أيضا، من الأدلة الدالة على كمال نعمته واقتداره، بما خلقه لعباده من الأرض، التي مهدها، وجعلها قرارا للعباد، يتمكنون فيها من كل ما يريدون. * (وجعل لكم فيها سبلا) * أي: جعل منافذ، بين سلاسل الجبال المتصلة، تنفذون منها إلى ما وراءها من الأقطار. * (لعلكم تهتدون) * في السير في الطرق ولا تضيعون، ولعلكم أيضا، تهتدون في الاعتبار بذلك، والادكار فيه. * (والذي نزل من السماء ماء بقدر) * لا يزيد ولا ينقص، ويكون أيضا، بمقدار الحاجة، لا ينقص بحيث لا يكون فيه نفع، ولا يزيد بحيث يضر العباد والبلاد. بل أغاث به العباد، وأنقذ به البلاد من الشدة، ولهذا قال: * (فأنشرنا به بلدة ميتا) * أي: أحييناها بعد موتها * (كذلك تخرجون) * أي: فكما أحيا الأرض الميتة الهامدة بالماء، كذلك يحييكم، بعدما تستكملون في البرزخ، ليجازيكم بأعمالكم. * (والذي خلق الأزواج كلها) * أي: الأصناف جميعها، مما تنبت الأرض ومن أنفسهم، ومما لا يعلمون، من ليل، ونهار، وحر، وبرد، وذكر، وأنثى، وغير ذلك. * (وجعل لكم من الفلك) * أي: السفن البحرية، الشراعية والبخارية * (و) * من * (الأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره) * وهذا شامل لظهور الأنعام، أي: لتستقروا عليها. * (ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) * بالاعتراف بالنعمة لمن سخرها، والثناء عليه تعالى بذلك ولهذا قال: * (وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) * أي: لولا تسخيره لنا ما سخر من الفلك، والأنعام، ما كنا مطيقين لذلك، وقادرين عليه. ولكن من لطفه وكرمه تعالى، سخرها، وذللها، ويسر أسبابها. والمقصود من هذا، بيان أن الرب الموصوف بما ذكره، من إفاضة النعم على العباد، هو الذي يستحق أن يعبد، ويصلي له ويسجد. * (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) * أي: وإنا إلى خالقنا لراجعون بعد هذه الحياة ليحاسب كلا بما قدمت يداه. وفيه إيذان وإعلام، بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه، من المسير، ويتذكر منه المسافرة العظمى، التي هي الانقلاب والرجوع إلى الله تعالى: فيبني أموره في مسيره ذلك، على تلك الملاحظة. ولا يخطر بباله في شيء، مما يأتي ويذر أمرا ينافيها، ومن ضرورته أن يكون ركوبه لأمر مشروع. * (وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين * أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين * وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحم ن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم * أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين * وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحم ن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون * وقالوا لو شاء الرحم ن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون * أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنآ آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوهآ إنا وجدنآ آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) * يخبر تعالى عن شناعة قول المشركين، الذي جعلوا لله تعالى ولدا، وهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له كفوا أحد. وإن ذلك باطل من عدة أوجه: منها: أن الخلق كلهم عباده، والعبودية، تنافي الولادة. ومنها: أن الولد جزء من والده، والله تعالى بائن من خلقه، مباين لهم في صفاته، ونعوت جلاله، والولد جزء من الوالد، فمحال أن يكون الله تعالى ولد. ومنها: أنهم يزعمون أن الملائكة بنات الله، ومن المعلوم أن البنات أدون الصنفين. فكيف يكون لله البنات، ويصطفيهم بالبنين، ويفضلهم بها؟ فإذا يكونون أفضل من الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ومنها: أن الصنف الذي نسبوه لله، وهو البنات، أدون الصنفين، وأكرهها لهم، حتى إنهم من كراهتهم لذلك * (إذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا) * من كراهته وشدة بغضه، فكيف يجعلون لله ما يكرهون؟ ومنها: أن الأنثى ناقصة في
(٧٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 758 759 760 761 762 763 764 765 766 767 768 ... » »»