لجلاله، ويفتقرون لكماله. * (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمد) * * (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها) *. فهو تعالى المألوه المعبود، الذي يألهه الخلائق كلهم، طائعين مختارين، وكارهين. وهذه كقوله تعالى: * (وهو الله في السماوات وفي الأرض) * أي: ألوهيته ومحبته فيهما. وأما هو فإنه فوق عرشه، بائن من خلقه، متوحد بجلاله، متمجد بكماله. * (وهو الحكيم) * الذي أحكم ما خلقه، وأتقن ما شرعه. فما خلق شيئا إلا لحكمة، وحكمه القدري، والشرعي، والجزائي مشتمل على الحكمة. * (العليم) * بكل شيء يعلم السر وأخفي، لا يعزب عنه مثقال ذرة في العالم العلوي والسفلي، ولا أصغر منها، ولا أكبر. * (وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما) * تبارك بمعنى تعالى وتعاصم، وكثر خيره، واتسعت صفاته، وعظم ملكه. ولهذا ذكر سعة ملكه للسموات والأرض وما بينهما، وسعة علمه، وأنه بكل شيء عليم. حتى إنه تعالى، انفرد بعلم الغيوب، التي لم يطلع عليها أحد من الخلق لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب ولهذا قال: * (وعنده علم الساعة) * قدم الظرف، ليفيد الحصر، أي: لا يعلم متى تجيء الساعة إلا هو. ومن تمام ملكه وسعته، أنه مالك الدنيا والآخرة، ولهذا قال: * (وإليه ترجعون) * أي: في الآخرة فيحكم بينكم بحكمه العدل. ومن تمام ملكه، أنه لا يملك أحد من خلقه من الأمر شيئا، ولا يقدم على الشفاعة عنده أحد، إلا بإذنه. * (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة) * أي: كل من دعي من دون الله، من الأنبياء والملائكة وغيرهم، لا يملكون الشفاعة، ولا يشفعون إلا بإذن الله، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، ولهذا قال: * (إلا من شهد بالحق) * أي: نطق بلسانه، مقرا بقلبه، عالما بما يشهد به، ويشترط أن تكون شهادته بالحق، وهي الشهادة لله تعالى بالوحدانية، ولرسله بالنبوة والرسالة، وصحة ما جاءوا به، من أصول الدين، وفروعه، وحقائقه وشرائعه. فهؤلاء الذين تنفع فيهم شفاعة الشافعين، وهؤلاء الناجون من عقاب الله، الحائزون لثوابه. ثم قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * أي: ولئن سألت المشركين عن توحيد الربوبية، ومن هو الخالق، لأقروا أنه الله وحده لا شريك له. * (فأنى يؤفكون) * أي: فكيف يصرفون عن عبادة الله، والإخلاص له وحده؟ فإقرارهم بتوحيد الربوبية، يلزمهم به الإقرار بتوحيد الألوهية، وهو من أكبر الأدلة على بطلان الشرك. * (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) * هذا معطوف على قوله: * (وعنده علم الساعة) * أي: وعنده علم قيله، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم، شاكيا لربه تكذيب قومه، متحزنا على ذلك، متحسرا على عدم إيمانهم. فالله تعالى عالم بهذه الحال، قادر على معاجلتهم بالعقوبة. ولكنه تعالى، حليم يمهل العباد، ويستأني بهم، لعلهم يتوبون، ويرجعون ولهذا قال: * (فاصفح عنهم وقل سلام) * أي: اصفح عنهم، ما يأتيك من أذيتهم القولية والفعلية، واعف عنهم، ولا يبدر منك لهم إلا السلام الذي يقابل به أولو الألباب والبصائر الجاهلين. ما قال تعالى عن عباده الصالحين: * (وإذا خاطبهم الجاهلون) * أي: خطابا بمقتضى جهلهم * (قالوا سلاما) *. فامتثل صلى الله عليه وسلم، لأمر ربه، وتلقى ما يصدر إليه من قومه وغيرهم من الأذى، بالعفو والصفح، ولم يقابلهم، عليه السلام، إلا بالإحسان إليهم والخطاب الجميل. فصلوات الله وسلامه، على من خصه الله بالخلق العظيم، الذي فضل به أهل الأرض والسماء، وارتفع به أعلى من كواكب الجوزاء. وقوله: * (فسوف يعلمون) * أي: غب ذنوبهم، وعاقبة جرمهم. سورة الدخان * (حم * والكتاب المبين * إنآ أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم * أمرا من عندنآ إنا كنا مرسلين * رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السماوات والأرض وما بينهمآ إن كنتم موقنين * لا إل ه إلا هو يحي ي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين * بل هم في شك يلعبون * فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس ه ذا عذاب أليم * ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون * أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين * ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون * إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عآئدون * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) * هذا قسم بالقرآن على القرآن، فأقسم بالكتاب المبين لكل ما يحتاج إلى بيانه أنه أنزله * (في ليلة مباركة) *، أي: كثيرة الخير والبركة، وهي ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام، على أفضل الأنام، بلغة العرب الكرام، لينذر به قوما، عمتهم الجهالة، وغلبت عليهم الشقاوة، فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا من هداه، ويسيروا وراءه، فيحصل لهم الخير الدنيوي، والخير الأخروي، ولهذا قال: * (إنا كنا منذرين فيها) *، أي: في تلك الليلة الفاضلة التي نزل فيها القرآن * (يفرق كل أمر حكيم) *، أي: يفصل ويميز، ويكتب كل أمر قدري وشرعي، حكم الله به. وهذه الكتابة والفرقان،
(٧٧١)