تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٧٠
والثمار اللذيذة تأكلون. * (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون * لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون * وما ظلمناهم ول كن كانوا هم الظالمين * ونادوا يمالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون * لقد جئناكم بالحق ول كن أكثركم للحق كارهون) * ولما ذكر نعيم الجنة، عقبة بذكر عذاب جهنم فقال: * (إن المجرمين) * إلى * (كارهون) *. * (إن المجرمين) * الذين أجرموا بكفرهم وتكذيبهم * (في عذاب جهنم) * أي: منغمرون فيه، محيط بهم العذاب من كل جانب. * (خالدون) * فيه، لا يخرجون منه أبدا. و * (لا يفتر عنهم) * العذاب ساعة، لا بإزالته، ولا بتهوين عذابه. * (وهم فيه مبلسون) * أي: آيسون من كل خير، غير راجين للفرج، وذلك أنهم ينادون ربهم فيقولون: * (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون) * وهذا العذاب العظيم، بما قدمت أيديهم، وبما ظلموا به أنفسهم. * (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين) * فالله لم يظلمهم ولم يعاقبهم بلا ذنب ولا جرم. * (ونادوا) * وهم في النار، لعلهم يحصل لهم استراحة. * (يا مالك ليقض علينا ربك) * أي: ليمتنا فنستريح، فإننا في غم شديد، وعذاب غليظ، لا صبر لنا عليه ولا جلد. * (قال) * لهم مالك خازن النار حين طلبوا منه أن يدعو الله لهم أن يقضي عليهم: * (إنكم ماكثون) * أي: مقيمون فيها، لا تخرجون منها أبدا. فلم يحصل لهم ما قصدوه، بل أجابهم بنقيض قصدهم، وزادهم غما إلى غمهم. ثم وبخهم بما فعلوا فقال: * (لقد جئناكم بالحق) * الذي يوجب عليكم أن تتبعوه. فلو تبعتموه، لفزتم وسعدتم. * (ولكن أكثركم للحق كارهون) * فلذلك شقيتم شقاوة لا سعادة بعدها. * (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) * يقول تعالى: * (أم أبرموا) * أي: أبرم المكذبون بالحق المعاندون له * (أمرا) * أي: كادوا كيدا، ومكروا للحق ولمن جاء بالحق، ليدحضوه، بما موهوا من الباطل المزخرف المزوق. * (فإنا مبرمون) * أي: محكمون أمرا ومدبرون تدبيرا، يعلو تدبيرهم، وينقضه ويبطله. وهو ما قيضه الله من الأسباب والأدلة، لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، كما قال تعالى: * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) *. * (أم يحسبون) * بجهلهم وظلمهم * (أنا لا نسمع سرهم) * الذي لم يتكلموا به، بل هو سر في قلوبهم * (ونجواهم) * أي: كلامهم الخفي الذي يتناجون به، أي: فلذلك أقدموا على المعاصي، وظنوا أنها لا تبعة لها ولا مجازاة على ما خفي منها. فرد الله عليهم بقوله: * (بلي) * إنا نعلم سرهم ونجواهم * (ورسلنا) * الملائكة الكرم. * (لديهم يكتبون) * كل ما عملوه، سيحفظ ذلك عليهم، حتى يردوا القيامة، فيجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا. * (قل إن كان للرحم ن ولد فأنا أول العابدين * سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون * فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) * أي: قل يا أيها الرسول الكريم، للذين جعلوا لله ولدا، وهو الأحد الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له كفوا أحد. * (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) * لذلك الولد، لأنه جزء من والده، وأنا أول الخلق انقيادا للأوامر المحبوبة لله ولكني أول المنكرين لذلك، وأشدهم له نفيا، فعلم بذلك بطلانه. فهذا احتجاج عظيم، عن من عرف أحوال الرسل. وأنه إذا علم أنهم أكمل الخلق، وأن كل خير فهم أول الناس سبقا إليه، وتكميلا له. وكل شر فهم أول الناس تركا له، وإنكارا له، وبعدا منه. فلو كان للرحمن ولد وهو الحق، لكان محمد بن عبد الله، أفضل الرسل أول من عبده، ولم يسبقه إليه المشركون. ويحتمل أن معنى الآية: لو كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين لله. ومن عبادتي لله، إثبات ما أثبته، ونفى ما نفاه، فهذا من العبادة القولية الاعتقادية. ويلزم من هذا، لو كان حقا، لكنت أول مثبت له. فعلم بذلك، بطلان دعوى المشركين وفسادها، عقلا ونقلا. * (سبحان رب السماوات والأرض رب العرضش عما يصفون) * من الشريك والظهير، والعوين، والولد، وغير ذلك، مما نسبه إليه المشركون. * (فذرهم يخوضوا ويلعبوا) * أي: يخوضوا بالباطل، ويلعبوا بالمحال. فعلومهم ضارة غير نافعة، وهي الخوض، والبحث بالعلوم التي يعارضون بها الحق، وما جاءت به الرسل، وأعمالهم لعب وسفاهة، لا تزكي النفوس، ولا تثمر المعارف. ولهذا توعدهم ما أمامهم يوم القيامة فقال: * (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) * فسيعلمون فيه ماذا حصلوا، وما حصلوا عليه من الشقاء الدائم، والعذاب المستمر. * (وهو الذي في السماء إل ه وفي الأرض إل ه وهو الحكيم العليم * وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون * ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون * ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون * وقيله يرب إن ه ؤلاء قوم لا يؤمنون * فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) * * (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) * يخبر تعالى، أنه وحده، المألوة، المعبود في السماوات والأرض. فأهل السماوات كلهم، والمؤمنون من أهل الأرض يعبدونه، ويعظمونه، ويخضعون
(٧٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 765 766 767 768 769 770 771 772 773 774 775 ... » »»