ذهبت عقائدهم وأعمالهم، التي أفنوا فيها أعمارهم على عبادة غير الله، وظنوا أنها تفيدهم، وتدفع عنهم العذاب، وتشفع لهم عند الله. فخاب سعيهم، وانتقض ظنهم، ولم تغن عنهم شركاؤهم شيئا * (وظنوا) * أي: أيقنوا في تلك الحال * (ما لهم من محيص) * أي: منقذ ينقذهم، ولا مغيث، ولا ملجأ. فهذه عاقبة من أشرك بالله غيره، بينها الله لعباده، ليحذروا الشرك به. * (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط * ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضرآء مسته ليقولن ه ذا لي ومآ أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ * وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) * هذا إخبار عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وعدم صبره وجلده، لا على الخير، ولا على الشر، إلا من نقله الله من هذه الحال، إلى حال الكمال، فقال: * (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير) * أي: لا يمل دائما، من دعاء الله، بالفوز، والمال، والولد، وغير ذلك، من مطالب الدنيا. ولا يزال يعمل على ذلك، ولا يقتنع بقليل ولا بكثير منها. فلو حصل له من الدنيا ما حصل، لم يزل طالبا للزيادة. * (وإن مسه الشر) * أي: المكروه، كالمرض، والفقر، وأنواع البلايا * (فيئوس قنوط) * أي: ييأس من رحمة الله تعالى، ويظن أن هذا البلاء، هو القاضي عليه بالهلاك، ويتشوش من إتيان الأسباب، على غير ما يحب ويطلب. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فإنهم إذا أصابهم الخير والنعمة والمحاب، شكروا الله تعالى، وخافوا أن تكون نعم الله عليهم، استدراجا وإمهالا. وإن أصابتهم مصيبة، في أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، صبروا، ورجوا فضل ربهم، فلم ييأسوا. ثم قال تعالى: * (ولئن أذقناه) * أي: الإنسان الذي يسأم من دعاء الخير، وإن مسه الشر فيؤوس * (رحمة منا) * أي: بعد ذلك الشر الذي أصابه، بأن عافاه الله من مرضه، أو أغناه من فقره، فإنه لا يشكر الله تعالى، بل يبغي، ويطغى، ويقول: * (هذا لي) * أي: أتاني، لأني له أهل، وأنا مستحق له * (وما أظن الساعة قائمة) *، وهذا إنكار منه للبعث، وكفر للنعمة والرحمة، التي أذاقها الله له. * (ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى) * أي: على تقدير إتيان الساعة، وأني سأرجع إلى ربي، إن لي عنده للحسنى. فكما حصلت لي النعمة في الدنيا، فإنها ستحصل لي في الآخرة. وهذا من أعظم الجرأة والقول على الله بلا علم، فلهذا توعده بقوله: * (فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ) * أي: شديد جدا. * (وإذا أنعمنا على الإنسان) * بصحة، أو رزق، أو غيرهما * (أعرض) * عن ربه وعن شكره * (ونأى) * ترفع * (بجانبه) * عجبا وتكبرا. * (وإذا مسه الشر) * أي: المرض، أو الفقر، أو غيرهما * (فذو دعاء عريض) * أي: كثير جدا، لعدم صبره. فلا صبر في الضراء، ولا شكر في الرخاء، إلا من هداه الله ومن عليه. * (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد * سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد * ألا إنهم في مرية من لقآء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط) * أي * (قل) * لهؤلاء المكذبين بالقرآن المسارعين إلى الكفران: * (أرأيتم إن كان) * هذا القرآن * (من عند الله) * من غير شك ولا ارتياب. * (ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد) * أي: معاندة لله ولرسوله، لأنه تبين لكم الحق والصواب، ثم عدلتم عنه، لا إلى حق، بل إلى باطل وجهل. فإذا تكونون أضل الناس وأظلمهم. فإن قلتم، أو شككتم بصحته وحقيقته، فسيقيم الله لكم، ويريكم من آياته، حيث قال تعالى: * (سنريهم آياتنا في الآفاق) * كالآيات التي في السماء وفي الأرض، وما يحدثه الله تعالى من الحوادث العظيمة، الدالة للمستبصر على الحق. * (وفي أنفسهم) * مما اشتملت عليه أبدانهم، من بديع آيات الله، وعجائب صنعته، وباهر قدرته، وفي حلول العقوبات والمثلات في المكذبين، ونصر المؤمنين. * (حتى يتبين لهم) * من تلك الآيات، بيانا لا يقبل الشك * (أنه الحق) * وما اشتمل عليه حق. وقد فعل تعالى، فإنه أرى عباده من الآيات، ما به تبين أنه الحق، ولكن الله هو الموفق للإيمان من يشاء، والخاذل لمن يشاء. * (أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) * أي: أولم يكفهم على أن القرآن حق، ومن جاء به صادق، بشهادة الله تعالى، فإنه قد شهد له بالتصديق، هو أصدق الشاهدين، وأيده، ونصره نصرا متضمنا شهادته القولية، عند من شك فيها. * (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم) * أي: في شك من البعث والقيامة، وليس عندهم دار، سوى الدار الدنيا، فلذلك لم يعملوا للآخرة، ولم يلتفتوا لها. * (ألا إنه بكل شيء محيط) * علما وقدرة وعزة. سورة الشورى * (ح م * عسق * كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم * له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم * تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم * والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم ومآ أنت عليهم
(٧٥٢)