ظلمه من غير أن يقع منه شيء، فهذا لا يجازي بمثله، وإنما يؤدب تأديبا، يردعه عن قول، أو فعل صدر منه. * (إنما السبيل) * أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية * (على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) * وهذا شامل للظلم والبغي على الناس، في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم. * (أولئك لهم عذاب أليم) * أي: موجع للقلوب والأبدان، بحسب ظلمهم وبغيهم. * (ولمن صبر) * على ما يناله من أذى الخلق * (وغفر) * لهم، بأن سمح لهم عما صدر منهم. * (إن ذلك لمن عزم الأمور) * أي: الأمور التي حث الله عليها وأكدها وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر. فإن ترك الانتصار للنفس، بالقول أو الفعل، من أشق شيء عليها. والصبر على الأذى، والصفح عنه، ومغفرته، ومقابلته بالإحسان، أشق وأشق. ولكنه يسير على من يسره الله عليه وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك. ثم إذا ذاق العبد حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق، والتلذذ فيه. * (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل) * يخبر تعالى، أنه المنفرد بالهداية والإضلال، وأنه * (من يضلل الله) * بسبب ظلمه * (فما له من ولي بعده) * يتولى أمره ويهديه. * (وترى الظالمين لما رأوا العذاب) * مرأى ومنظرا فظيعا، صعبا شنيعا، يظهرون الندم العظيم، والحزن على ما سلف منهم * (يقولون هل إلى مرد من سبيل) * أي: هل لنا طريق أو حيلة إلى رجوعنا إلى الدنيا، لنعمل غير الذي كنا نعمل، وهذا طلب للأمر المحال، الذي لا يمكن. * (وتراهم يعرضون عليها) * أي: على النار * (خاشعين من الذل) * أي: ترى أجسامهم خاشعة للذل، الذي في قلوبهم. * (ينظرون من طرف خفي) * أي: ينظرون إلى النار مسارقة وشزرا، من هيبتها وخوفها. * (وقال الذين آمنوا) * حين ظهرت عواقب الخلق، وتبين أهل الصدق من غيرهم: * (إن الخاسرين) * على الحقيقة * (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) * حيث فوتوا على أنفسهم جزيل الثواب، وحصلوا على أليم العقاب وفرق بينهم وبين أهليهم، فلم يجتمعوا بهم، آخر ما عليهم. * (ألا إن الظالمين) * أنفسهم بالكفر والمعاصي * (في عذاب أليم) * أي: في سوائه ووسطه، منغمرون لا يخرجون منه أبدا، ولا يفتر عنهم، وهم فيه مبلسون. * (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله) * كما كانوا في الدنيا يمنون أنفسهم بذلك. ففي القيامة يتبين لهم ولغيرهم، أن أسبابهم التي أملوها تقطعت، وأنه حين جاءهم عذاب الله، لم يدفع عنهم. * (ومن يضلل الله فما له من سبيل) * تحصل به هدايته، فهؤلاء ضلوا حين زعموا في شركائهم النفع، ودفع الضر، فتبين حينئذ ضلالهم. * (استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور) * يأمر تعالى عباده بالاستجابة له، بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وبالمبادرة بذلك، وعدم التسويف. * (من قبل أن يأتي يوم) * القيامة الذي إذا جاء، لا يمكن رده واستدراك الفائت. وليس للعبد في ذلك اليوم ملجأ يلجأ إليه؛ فيفوت ربه، ويهرب منه. بل قد أحاطت الملائكة بالخليقة، من خلفهم، ونودوا * (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنقذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) *. وليس للعبد في ذلك اليوم، نكير لما اقترفه وأجرمه، بل لو أنكر لشهدت عليه جوارحه. وهذه الآية ونحوها، فيها ذم الأمل، والأمر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرض للعبد. فإن للتأخير آفات. * (فإن أعرضوا) * عما جئتم به بعد البيان التام * (فما أرسلناك عليهم حفيظا) * تحفظ أعمالهم، وتسأل عنها. * (إن عليك إلا البلاغ) * فإذا أديت ما عليك، فقد وجب أجرك على الله، سواء استجابوا أم أعرضوا، وحسابهم على الله الذين يحفظ عليهم صغير أعمالهم وكبيرها، وظاهرها وباطنها. ثم ذكر تعالى حالة الإنسان، وأنه إذا أذاقه رحمة، من صحة بدن، ورزق رغد، وجاه ونحوه * (فرح بها) * أي: فرح فرحا مقصورا عليها، لا يتعداها، ويلزم من ذلك، طمأنينته بها، وإعراضه عن المنعم.
(٧٦١)