تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٧٤
إحسان كثير، ظاهر منا عليهم، وحجة عليهم، على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليهم السلام. * (إن ه ؤلاء ليقولون * إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين * فأتوا بآبآئنا إن كنتم صادقين * أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين) * يخبر تعالى * (إن هؤلاء) * المكذبين * (ليقولون) * مستبعدين للبعث والنشور: * (إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين) *، أي: ما هي إلا الحياة الدنيا، فلا بعث، ولا نشور، ولا جنة، ولا نار. ثم قالوا متجرئين على ربهم، معجزين له: * (فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) *، وهذا من اقتراح الجهلة المعاندين في مكان سحيق، فأي ملازمة بين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه متوقف على الإتيان بآبائهم؟ فإن الآيات، قد قامت على صدق ما جاءهم به، وتواترت تواترا عظيما من كل وجه. قال تعالى: * (أهم خير) *، أي: هؤلاء المخاطبون * (أم قوم تبع والذي من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين) *، فإنهم ليسوا خيرا منهم، وقد اشتركوا في الإجرام، فليتوقعوا من الهلاك ما أصاب إخوانهم المجرمين. * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهمآ إلا بالحق ول كن أكثرهم لا يعلمون * إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين * يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون * إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم) * يخبر تعالى، عن كمال قدرته، وتمام حكمته، وأنه ما خلق السماوات والأرض لعبا، ولا لهوا، ولا سدى من غير فائدة، وأنه ما خلقهما إلا بالحق، أي: نفس خلقهما بالحق، وخلقهما مشتمل على الحق، وأنه أوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له، وليأمر العباد، وينهاهم ويثيبهم، ويعاقبهم. * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) *، فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات والأرض. * (إن يوم الفصل) * وهو يوم القيامة الذي يفصل الله به بين الأولين والآخرين، وبين كل مختلفين * (ميقاتهم) *، أي: الخلائق * (أجمعين) *. كلهم سيجمعهم الله فيه، ويحضرهم ويحضر أعمالهم، ويكون الجزاء عليها. * (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا) * لا قريب عن قريبه، ولا صديق عن صديقه، * (ولا هم ينصرون) *، أي: يمنعون عذاب الله عز وجل، لأن أحدا من الخلق لا يملك من الأمر شيئا. * (إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم) *، فإنه هو الذي ينتفع ويرتفع برحمة الله تعالى، التي تسبب إليها، وسعى لها سعيها في الدنيا. * (إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن ه ذا ما كنتم به تمترون) * ثم قال تعالى: * (إن شجرة الزقوم) * إلى: * (تمترون) *. لما ذكر يوم القيامة، وأنه يفصل بين عباده فيه، ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، وهم: الآثمون بعمل الكفر والمعاصي، وأن طعامهم * (شجرة الزقوم) * شر الأشجار وأفظعها، وأن طعمها * (كالمهل) *، أي: كالصديد المنتن، خبيث الريح والطعم، شديد الحرارة. * (يغلي في البطون كغلي الحميم) *، ويقال للمعذب: * (ذق) * هذا العذاب الأليم، والعقاب الوخيم * (إنك أنت العزيز الكريم) *، أي بزعمك أنك عزيز، ستمتنع من عذاب الله، وأنك كريم على الله لا يصيبك بعذاب. فاليوم تبين لك، أنك أنت الذليل المهان الخسيس. * (إن هذا) * العذاب العظيم، هو * (ما كنتم به تمترون) *، أي: تشكون، فالآن صار عندكم، حق اليقين. * (إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون فارتقب إنهم مرتقبون) * هذا جزاء المتقين لله الذين اتقوا سخطه وعذابه، بتركهم المعاصي، وفعلهم الطاعات، فلما انتفى السخط عنهم والعذاب، ثبت لهم الرضا من الله، والثواب العظيم، في ظل ظليل، من كثرة الأشجار والفواكه والعيون، تجري من تحتهم الأنهار، يفجرونها تفجيرا في جنات النعيم. فأضاف الجنات إلى النعيم، لأن ما اشتملت عليه كله نعيم وسرور، كامل من كل وجه، ما فيه منغص ولا مكدر، بوجه من الوجوه. ولباسهم من الحرير الأخضر من السندس والإستبرق، أي: غليظ الحرير ورقيقه، مما تشتهيه أنفسهم. * (متقابلين) * في قلوبهم ووجوههم في كمال الراحة، والطمأنينة، والمحبة والعشرة الحسنة، والآداب المستحسنة. * (كذلك) * النعيم التام والسرور الكامل * (وزوجناهم بحور) *، أي: نساء جميلات من جمالهن وحسنهن أنه
(٧٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 769 770 771 772 773 774 775 776 777 778 779 ... » »»