تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٥٩
عن طاعة الله، وأقبلوا على التمتع بشهوات الدنيا، فأوجبت لهم الانكباب على ما تشتهيه نفوسهم، ولو كان معصية وظلما. * (ولكن ينزل بقدر ما يشاء) * بحسب ما اقتضاه لطفه وحكمته * (إنه بعباده خبير بصير) * كما في بعض الآثار أن الله تعالى يقول: (إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أمرضته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا المرض ولو عافيته لأفسده ذلك، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني خبير بصير). * (وهو الذي ينزل الغيث) * أي: المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد. * (من بعد ما قنطوا) * وانقطع عنهم مدة، وظنوا أنه لا يأتيهم، وأيسوا وعملوا لذلك الجدب أعمالا، فينزل الله الغيث * (وينشر) * به * (رحمته) * من إخراج الأقوات للآدميين، وبهائمهم، فيقع عندهم موقعا عظيما، ويستبشرون بذلك ويفرحون. * (وهو الولي) * الذي يتولى عباده، بأنواع التدبير، ويتولي القيام بمصالح دينهم ودنياهم. * (الحميد) * في ولايته وتدبيره، الحميد على ما له من الكمال، وما أوصله إلى خلقه، من أنواع الأفضال. * (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) * * (ومن آياته) * أي: ومن أدلة قدرته العظيمة، وأنه سيحيي الموتى بعد موتهم. * (خلق) * هذه * (السماوات والأرض) * على عظمهما وسعتهما، الدال على قدرته، وسعة سلطانه، وما فيهما من الإتقان والإحكام، دال على حكمته وما فيهما من المنافع والمصالح، دال على رحمته، وذلك يدل على أنه المستحق لأنواع العبادة كلها، وأن إلهية ما سواه باطلة. * (وما بث فيهما من دابة) * أي: ما نشر في السماوات والأرض من أصناف الدواب التي جعلها الله مصالح ومنافع لعباده. * (وهو على جمعهم) * أي: جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة * (إذا يشاء قدير) *. فقدرته ومشيئته، صالحان لذلك، ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق. وقد علم أنه قد تواترت أخبار المرسلين وكتبهم، بوقوعه. * (ومآ أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير * ومآ أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * يخبر تعالى، أنه ما أصاب العباد من مصيبة، في أبدانهم، وأموالهم، وأولادهم، وفيما يحبون، ويكون عزيزا عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو الله عنه أكثر، فإن الله لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) *. وليس إهمالا منه تعالى تأخير العقوبات، ولا عجزا. * (وما أنتم بمعجزين في الأرض) * أي: معجزين قدرة الله عليكم، بل أنتم عاجزون في الأرض، ليس عندكم امتناع عما ينفذه الله فيكم. * (وما لكم من دون الله من ولي) * يتولاكم، فيحصل لكم المنافع * (ولا نصير) * يدفع عنكم المضار. * (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص) * أي: ومن أدلة رحمته، وعنايته بعباده * (الجوار في البحر) * من السفن، والمراكب البخارية، والشراعية، التي هي من عظمها * (كالأعلام) * وهي الجبال الكبار، التي سخر لها البحر العجاج، وحفظها من التطام الأمواج، وجعلها تحملكم، وتحمل أمتعتكم الكثيرة، إلى البلدان والأقطار البعيدة، وسخر لها من الأسباب، ما كان معونة على ذلك. ثم نبه على هذه الأسباب بقوله: * (إن يشأ يسكن الريح) * التي جعلها الله سببا لسيرها. * (فيظللن) * أي: الجواري (أي: السفن على اختلاف أنواعها) * (رواكد) * على ظهر البحر، لا تتقدم ولا تتأخر ولا ينتقض هذا، بالمراكب البخارية، فإن من شرط مشيها، وجود الريح. وإن شاء الله تعالى، أوبق الجواري، بما كسب أهلها، أي: أغرقها في البحر، وأتلفها، ولكنه يحلم، ويعفو عن كثير. * (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * أي: كثير الصبر على ما تكرهه نفسه ويشق عليها، فيكرهها عليه، من مشقة طاعة، أو ردع داع إلى معصية، أو ردع نفسه عند المصائب عن التسخط، * (شكور) *. في الرخاء وعند النعم، يعترف بنعمة ربه ويخضع له، ويصرفها في مرضاته. فهذا الذي ينتفع بآيات الله. وأما الذي لا صبر عنده، ولا شكر له عند نعم الله، فإنه معرض أو معاند، لا ينتفع بالآيات. ثم قال تعالى: * (ويعلم الذي يجادلون في آياتنا) * ليبطلوها بباطلهم. * (ما لهم من محيص) * أي: لا ينقذهم منقذ مما حل بهم من العقوبة. * (فمآ أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون * والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) * هذا تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة، وذكر الأعمال الموصلة إليها فقال: * (فما أوتيتم من شيء) * من ملك ورياسة، وأموال، وبنين، وصحة، وعافية بدنية. * (فمتاع الحياة الدنيا) * لذة منغصة منقطعة. * (وما عند الله) * من الثواب الجزيل، والأجر الجليل، والنعيم المقيم * (خير) * من لذات الدنيا، خيرية لا نسبة بينهما * (وأبقى) *
(٧٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 754 755 756 757 758 759 760 761 762 763 764 ... » »»