تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٥٠
لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد، الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق. * (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم * ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون * فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون * ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحى الموتى إنه على كل شيء قدير) * لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس، وهو مقابلة إساءته بالإحسان، ذكر ما يدفع به العدو الجني، وهو الاستعاذة بالله، والاحتماء من شره فقال: * (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) * أي: أي وقت من الأوقات، أحسست بشيء من نزغات الشيطان، أي: من وساوسه، وتزيينه للشر، وتكسيله عن الخير، وإصابة ببعض الذنوب، وإطاعة له ببعض ما يأمر به * (فاستعذ بالله) * أي: أسأله، مفتقرا إليه، أن يعيذك ويعصك منه. * (إنه هو السميع العليم) * فإنه يسمع قولك وتضرعك، ويعلم حالك واضطرارك إلى عصمته وحمايته. ثم ذكر تعالى أن * (من آياته) * الدالة على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته، وسعة سلطانه، ورحمته بعباده، وأنه الله وحده لا شريك له * (الليل والنهار) *: هذا بمنفعة ضيائه، وتصرف العباد فيه، وهذا بمنفعة ظلمته، وسكون الخلق فيه. * (والشمس والقمر) * اللذان لا تستقيم معايش العباد، ولا أبدانهم، ولا أبدان حيواناتهم، إلا بهما، وبهما من المصالح، ما لا يحصى عدده. * (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) * فإنهما مدبران مسخران مخلوقان. * (واسجدوا لله الذي خلقهن) *، أي: اعبدوه وحده؛ لأنه الخالق العظيم، ودعوا عبادة ما سواه، من المخلوقات، وإن كبر جرمها وكثرت مصالحها، فإن ذلك ليس منها، وإنما هو من خالقها، تبارك وتعالى: * (إن كنتم إياه تعبدون) * فخصوه بالعبادة وإخلاص الدين له. * (فإن استكبروا) * عن عبادة الله تعالى، ولم ينقادوا لها، فإنهم لن يضروا الله شيئا، والله غني عنهم، وله عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. ولهذا قال: * (فالذين عند ربك) * يعني: الملائكة المقربين * (يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون) * أي: لا يملون من عبادته، لقوتهم، وشدة الداعي القوي منهم إلى ذلك. * (ومن آياته) * الدالة على كمال قدرته، وانفراده بالملك والتدبير والوحدانية. * (أنك ترى الأرض خاشعة) * لا نبات فيها * (فإذا أنزلنا عليها الماء) * أي: المطر * (اهتزت) * أي: تحركت بالنبات * (وربت) * ثم: أنبتت من كل زوج بهيج، فحيي بها العباد والبلاد. * (إن الذي أحياها) * بعد موتها وهمودها، * (لمحيي الموتى) * من قبورهم إلى يوم بعثهم، فنشورهم * (إنه على كل شيء قدير) * فكما لم تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها، لا تعجز عن إحياء الموتى. * (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * الإلحاد في آيات الله: الميل بها عن الصواب، بأي وجه كان: إما بإنكارها وجحودها، وتكذيب من جاء بها. وإما بتحريفها عن معناها الحقيقي، وإثبات معان لها، ما أرادها الله منها. فتوعد تعالى من ألحد فيها، بأنه لا يخفى عليه، بل هو مطلع على ظاهره وباطنه، وسيجازيه على إلحاده بما كان يعمل، ولهذا قال: * (أفمن يلقى في النار) * مثل الملحد بآيات الله * (خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) * من عذاب الله مستحقا لثوابه؟ من المعلوم أن هذا خير. لما تبين الحق من الباطل، والطريق المنجي من عذابه من الطريق المهلك قال: * (اعملوا ما شئتم) * إن شئتم فاسلكوا طريق الرشد، الموصلة إلى رضا ربكم وجنته. وإن شئتم فاسلكوا طريق الغي، المسخطة لربكم، الموصلة إلى دار الشقاء. * (إنه بما تعملون بصير) * يجازيكم بحسب أحوالكم وأعمالكم، كقوله تعالى: * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) *. ثم قال تعالى: * (إن الذين كفروا بالذكر) * أي: يجحدون القرآن الكريم المذكور للعباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية والأخروية، المعلي لقدر من اتبعه. * (لما جاءهم) * نعمة من ربهم على يد أفضل لخلق وأكملهم. * (و) * الحال * (إنه لكتاب) * جامع لأوصاف الكمال * (عزيز) * أي: منيع من كل من أراده بتحريف أو سوء. ولهذا قال: * (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) * أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص. فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه كما قال تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) *. * (تنزيل من حكيم) * في خلقه وأمره، يضع كل شيء موضعه، وينزله منازله. * (حميد) * على ما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والإفضال، فلهذا كان كتابه مشتملا على تمام الحكمة، وعلى تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار، التي يحمد عليها. * (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة
(٧٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 745 746 747 748 749 750 751 752 753 754 755 ... » »»