على الخير، والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض. ومن لطفه، أن قيض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي. حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها، مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصيته، صرفها عنه، وقدر عليه رزقه، ولهذا قال هنا: * (يرزق من يشاء) * بحسب اقتضاء حكمته ولطفه * (وهو القوي العزيز) * الذي له القوة كلها، فلا حول ولا قوة لأحد من المخلوقين، إلا به، الذي دانت له جميع الأشياء. ثم قال تعالى: * (من كان يريد حرث الآخرة) * أي: أجرها وثوابها، فآمن بها وصدق، وسعى لها سعيها * (نزد له في حرثه) * بأن نضاعف عمله وجزاءه، أضعافا كثيرة. كما قال تعالى: * (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) * ومع ذلك، فنصيبه من الدنيا، لا بد أن يأتيه. * (ومن كان يريد حرث الدنيا) * بأن: كانت الدنيا، هي مقصوده، وغاية مطلوبه، فلم يقدم لآخرته، ولا رجا ثوابها، ولم يخش عقابها. * (نؤته منها) * نصيبه الذي قسم له. * (وما له في الآخرة من نصيب) * قد حرم الجنة ونعيمها، واستحق النار وجحيمها. وهذه الآية، شبيهة بقوله تعالى: * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) *. * (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم * ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشآءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) * يخبر تعالى، أن المشركين اتخذوا شركاء، يوالونهم ويشتركون هم وإياهم، في الكفر وأعماله، من شياطين الإنس، الدعاة إلى الكفر * (شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) * من الشرك والبدع، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك، مما اقتضته أهواؤهم. مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد، ويتقربوا به إليه. فالأصل الحجر على كل أحد، أن يشرع شيئا ما جاء عن الله ولا عن رسوله. فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم وهم على الكفر. * (ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم) * أي: لولا الأجل المسمى، الذي ضربه الله فاصلا، بين الطوائف المختلفة، وأنه سيؤخرهم إليه، لقضي بينهم في الوقت الحاضر، بسعادة المحق، وإهلاك المبطل، لأن المقتضي للإهلاك، موجود، ولكن أمامهم، العذاب الأليم في الآخرة، هؤلاء وكل ظالم. وفي ذلك اليوم * (ترى الظالمين) * أنفسهم بالكفر والمعاصي * (مشفقين) * أي: خائفين وجلين * (مما كسبوا) * أن يعاقبوا عليه. ولما كان الخائف قد يقع به، ما أشفق منه وخافه، وقد لا يقع، أخبر أنه * (واقع بهم) * العقاب، الذي خافوه، لأنهم أتوا بالسبب التام الموجب للعقاب، من غير معارض، من توبة ولا غيرها، ووصلوا موضعا فات فيه الإنظار والإمهال. * (والذين آمنوا) * بقلوبهم، بالله وبكتبه، ورسله وجاءوا به. * (وعملوا الصالحات) * يشمل فيه كل عمل صالح من أعمال القلوب، وأعمال الجوارح من الواجبات، والمستحبات. فهؤلاء * (في روضات الجنات) * أي: الروضات المضافة إلى الجنات، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه. فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة، وما فيها من الأنهار المتدفقة، والغياض المعشبة، والمناظر الحسنة، والأشجار المثمرة، والطيور المغردة، والأصوات الشجية المطربة، والاجتماع بكل حبيب، والأخذ من المعاشرة والمنادمة، بأكمل نصيب. رياض لا تزداد على طول المدى، إلا حسنا وبهاء، ولا يزداد أهلها، إلى اشتياقا إلا لذاتها وودادا. * ( لهم ما يشاؤون) * فيها أي: في الجنات * (عند ربهم) *. فمهما أرادوا، فهو حاصل، ومهما طلبوا حصل، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. * (ذلك هو الفضل الكبير) * وهل فضل أكبر من الفوز برضا الله تعالى، والتنعم بقربه في دار كرامته؟ * (ذلك الذي يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * أي: هذه البشارة العظيمة، التي هي أكبر البشائر على الإطلاق، بشر بها الرحيم الرحمن، على يد أفضل خلقه لأهل الإيمان والعمل الصالح، فهي أجل الغايات، والوسيلة الموصلة إليها أفضل الوسائل. * (قل لا أسألكم عليه) * أي: على تبليغي إياكم هذا القرآن ودعوتكم إلى أحكامه. * (أجرا) * فلست أريد أخذ أموالكم، ولا التولي عليكم والترأس، ولا غير ذلك من الأغراض * (إلا المودة في القربى) *. يحتمل أن المراد: لا أسألكم عليه أجرا واحدا هو لكم، وعائد نفعة إليكم، وهو: أن تودوني وتحبوني
(٧٥٧)