عليهم وأنسوهم ذكرها. وربما أوقعوا عليهم الشبه، بعدم وقوعها، فترحل خوفها في قلوبهم فقادوهم إلى الكفر، والبدع، والمعاصي. وهذا التسليط والتقييض من الله للمكذبين الشياطين، بسبب إعراضهم عن ذكر الله وآياته، وجحودهم الحق كما قال تعالى: * (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) *. * (وحق عليهم القول) * أي: وجب عليهم، ونزل القضاء والقدر، بعذابهم. * (في) * جملة * (أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) * لأديانهم وآخرتهم، ومن خسر، فلا بد أن يذل، ويشقى، ويعذب. * (وقال الذين كفروا لا تسمعوا له ذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون * فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون * ذلك جزاء أعدآء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون * وقال الذين كفروا ربنآ أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين) * يخبر تعالى عن إعراض الكفار عن القرآن، وتواصيهم بذلك فقال: * (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن) * أي: أعرضوا عنه بأسماعكم، وإياكم أن تلتفتوا، أو تصغوا إليه وإلى من جاء به. فإن اتفق أنكم سمعتموه، أو سمعتم الدعوة إلى أحكامه، عارضوه. * (والغوا فيه) * أي: تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه، بل فيه المضرة، ولا تمكنوا مع قدرتكم أحدا يملك عليكم الكلام به، وتلاوة ألفاظه ومعانيه. هذا لسان حالهم، ولسان مقالهم، في الإعراض عن هذا القرآن. * (لعلكم) * إن فعلتم ذلك * (تغلبون) * وهذه شهادة من الأعداء، وأوضح الحق ما شهدت به الأعداء، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك. ومفهوم كلامهم، أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه، وألقوا أذهانهم، أنهم لا يغلبون، فإن الحق، غالب غير مغلوب، يعرف هذا أصحاب الحق وأعداؤه. ولما كان هذا ظلما منهم وعنادا، لم يبق فيهم مطمع للهداية، فلم يبق إلا عذابهم ونكالهم، ولهذا، قال: * (فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كان يعملون) *. وهو الكفر والمعاصي، فإنها أسوأ ما كانوا يعملون، لكونهم يعملون المعاصي وغيرها. فالجزاء بالعقوبة، إنما هو على عمل الشرك، * (ولا يظلم ربك أحدا) *. * (ذلك جزاء أعداء الله) * الذين حاربوه، وحاربوا أولياءه، جزاؤهم * (النار) * بالكفر والتكذيب، والمجادلة والمجالدة. * (لهم فيها دار الخلد) * أي: الخلود الدائم، الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة، ولا هم ينصرون. وذلك * (جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون) * فإنها آيات واضحة، وأدلة قاطعة مفيدة لليقين، فأعظم الظلم وأكبر العناد جحدها، والكفر بها. * (وقال الذين كفروا) * أي: الأتباع منهم، بدليل ما بعده، على وجه الحنق، على من أضلهم. * (ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس) * أي: الصنفين اللذين قادانا إلى الضلال والعذاب، من شياطين الجن، وشياطين الإنس الدعاة إلى جهنم. * (نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين) * أي: الأذلين المهانين كما أضلونا، وفتنونا، وصاروا سببا لنزولنا. ففي هذا، بيان حنق بعضهم على بعض، وتبري بعضهم من بعض. * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم) * يخبر تعالى عن أوليائه، وفي ضمن ذلك، تنشيطهم، والحث على الاقتداء بهم فقال: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * أي: اعترفوا، ونطقوا، ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم، علما وعملا، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. * (تتنزل عليهم الملائكة) * الكرام، أي: يتكرر نزولهم عليهم، مبشرين لهم عند الاحتضار. * (أن لا تخافوا) * على ما يستقبل من أمركم، * (ولا تحزنوا) * على ما مضى. فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل. * (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) * فإنها قد وجبت لكم وثبتت، وكان وعد الله مفعولا. ويقولون لهم أيضا مثبتين لهم، ومبشرين: * (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * يحثونهم في الدنيا على الخير، ويزينونه لهم، ويرهبونهم عن الشر، ويقبحونه في قلوبهم، ويدعون الله لهم، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف، وخصوصا عن الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها على الصراط، وفي الجنة، يهنئونهم بكرامة ربهم، ويدخلون
(٧٤٨)