تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٤٧
هداية بيان. وإنما نص عليهم، وإن كان جميع الأمم المهلكة، قد قامت عليهم الحجة، وحصل لهم البيان، لأن آية ثمود آية باهرة، قد رآها صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وكانت آية مبصرة، فلهذا خصهم بزيادة البيان والهدى. ولكنهم من ظلمهم وشرهم استحبوا العمى الذي هو الكفر والضلال على الهدى، الذي هو: العلم والإيمان. * (فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون) * لا ظلما من الله لهم. * (ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون) * أي: نجى الله صالحا عليه السلام، ومن اتبعه من المؤمنين المتقين للشرك، والمعاصي. * (ويوم يحشر أعدآء الله إلى النار فهم يوزعون * حتى إذا ما جآءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون * وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ول كن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين * فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) * يخبر تعالى عن أعدائه، الذين بارزوه بالكفر بآياته، وتكذيب رسله، ومعاداتهم، ومحاربتهم، وحالهم الشنيعة حين يحشرون، أي: يجمعون. * (إلى النار فهم يوزعون) * أي: أولهم على آخرهم، ويتبع آخرهم أولهم، ويساقون إليها سوقا عنيفا، لا يستطيعون امتناعا، ولا ينصرون أنفسهم، ولا هم ينصرون. * (حتى إذا ما جاؤوها) * أي: حتى إذا وردوا على النار، وأرادوا الإنكار، أو أنكروا ما عملوه من المعاصي. * (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم) * عموم بعد خصوص. * (بما كانوا يعملون) * أي: يشهد عليهم كل عضو من أعضائهم. فكل عضو يقول: أنا فعلت كذا وكذا، يوم كذا وكذا. وخص هذه الأعضاء الثلاثة، لأن أكثر الذنوب إنما تقع بها، أو بسببها. فإذا شهدت عليهم، عاتبوها * (وقالوا لجلودهم) * هذا دليل على أن الشهادة تقع من كل عضو كما ذكرنا: * (قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) *. فليس في إمكاننا، الامتناع عن الشهادة، حين أنطقنا الذي لا يستعصي شيء عن مشيئته. * (وهو خلقكم أول مرة) * فكما خلقكم بذواتكم، وأجسامكم، خلق أيضا صفاتكم، ومن ذلك الإنطاق. * (وإليه ترجعون) * في الآخرة، فيجزيكم بما عملتم. ويحتمل أن المراد بذلك، الاستدلال على البعث بالخلق الأول، كما هو طريقة القرآن. * (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) * أي: وما كنتم تختفون عن شهادة أعضائكم عليكم، ولا تحاذرون من ذلك. * (ولكن ظننتم) * بإقدامكم على المعاصي * (أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) * فلذلك صدر منكم ما صدر. وهذا الظن، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال: * (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم) * الظن السئ، حيث ظننتم به، ما لا يليق بجلاله. * (أرداكم) * أي: أهلككم * (فأصبحتم من الخاسرين) * لأنفسهم، وأهليهم، وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم. فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء، ووجب عليكم الخلوف الدائم في العذاب، الذي لا يفتر عنهم ساعة. * (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم) * فلا جلد عليها، ولا صبر. وكل حالة قدر إمكان الصبر عليها، فالنار لا يمكن الصبر عليها. وكيف الصبر على نار، قد اشتد حرها، وزادت على نار الدنيا، بسبعين ضعفا، وعظم غليان حميمها، وزاد نتن صديدها، وتضاعف برد زمهريرها وعظمت سلاسلها وأغلالها، وكبرت مقامعها، وغلظ خزانها، وزال ما في قلوبهم من رحمتهم. وختام ذلك سخط الجبار، وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون: * (اخسؤوا فيها ولا تكلمون) *. * (وإن يستعتبوا) * أي: يطلبوا أن يزال عنهم العتب، فيرجعوا إلى الدنيا، ليستأنفوا العمل. * (فما هم من المعتبين) * لأنه ذهب وقته، وعمروا، ما يعمر فيه من تذكر وجاءهم النذير. وانقطعت حجتهم، مع أن استعتابهم، كذب منهم * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) *. * (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) * * (وقيضنا لهم) * أي: لهؤلاء الظالمين الجاحدين للحق * (قرناء) * من الشياطين كما قال تعالى: * (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) * أي: تزعجهم إلى المعاصي، وتحثهم عليها. * (فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) * فالدنيا زخرفوها بأعينهم، ودعوهم إلى لذاتها وشهواتها المحرمة، حتى افتتنوا، فأقدموا على معاصي الله، وسلكوا ما شاءوا من محاربة الله ورسوله والآخرة بعدوها
(٧٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 742 743 744 745 746 747 748 749 750 751 752 ... » »»