تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٤٤
الكافرون) * يحث تعالى، المكذبين لرسولهم، على السير في الأرض، بأبدانهم، وقلوبهم: وسؤال العالمين. * (فينظروا) * نظر فكر واستدلال، لا نظر غفلة وإهمال. * (كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * من الأمم السالفة، كعاد، وثمود وغيرهم، ممن * (كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض) * من الأبنية الحصينة، والغراس الأنيقة، والزروع الكثيرة * (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * حين جاءهم أمر الله. فلم تغن عنهم قوتهم، ولا افتدوا بأموالهم، ولا تحصنوا بحصونهم. ثم ذكر جرمهم الكبير فقال: * (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات) * من الكتب الإلهية، والخوارق العظيمة، والعلم النافع المبين، الهادي من الضلال، والحق من الباطل * (فرحوا بما عندهم من العلم) * المناقض لدين الرسل. ومن المعلوم، أن فرحهم به، يدل على شدة رضاهم به، وتمسكهم، ومعاداة الحق، الذي جاءت به الرسل، وجعل باطلهم حقا، وهذا عام لجميع العلوم، التي نوقض بها ما جاءت به الرسل. ومن أحقها بالدخول في هذا، علوم الفلسفة، والمنطق اليوناني، الذي ردت به كثير من آيات القرآن، ونقصت قدره في القلوب، وجعلت أدلته اليقينية القاطعة، أدلة لفظية، لا تفيد شيئا من اليقين، ويقدم عليها عقول أهل السفه والباطل. وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله، والمعارضة لها، والمناقضة، فالله المستعان. * (وحاق بهم) * أي: نزل وأحاط بهم * (ما كانوا به يستهزئون) * (من العذاب) * (فلما رأوا بأسنا) * أي: عذابنا، أقروا حيث لا ينفعهم الإقرار * (قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) * من الأصنام والأوثان وتبرأنا من كل ما خالف الرسل، من علم أو عمل. * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * أي: في تلك الحال، وهذه * (سنة الله) * وعادته * (التي خلت في عباده) * أن المكذبين حين ينزل بهم بأس الله وعقابه إذا آمنوا، كان إيمانهم غير صحيح، ولا منجيا لهم من العذاب. وذلك لأنه إيمان ضرورة قد اضطروا إليه، وإيمان مشاهدة.
وإنما الإيمان الذي ينجي صاحبه، هو الإيمان الاختياري، الذي يكون إيمانا بالغيب، وذلك قبل وجود قرائن العذاب. * (وخسر هنالك) * أي: وقت الإهلاك، وإذاقة البأس * (الكافرون) * دينهم ودنياهم وأخراهم. ولا يكفي مجرد الخسارة، في تلك الدار، بل لا بد من خسران يشقي في العذاب الشديد، والخلود فيه، دائما أبدا. سورة فصلت * (ح م * تنزيل من الرحم ن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون * قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنمآ إل هكم إل ه واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) * يخبر تعالى عباده أن هذا الكتاب الجليل والقرآن الجميل * (تنزيل) * صادر * (من الرحمن الرحيم) * الذي وسعت رحمته كل شيء، الذي من أعظم رحمته وأجلها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم والهدى، والنور، والشفاء، والرحمة، والخبر الكثير، ما هو من أجل نعمه على العباد، وهو الطريق للسعادة في الدارين. ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال: * (فصلت آياته) * أي: فصل كل شيء من أنواعه على حدته، وهذا يستلزم البيان التام، والتفريق بين كل شيء، وتمييز الحقائق. * (قرآنا عربيا) * أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصلت آياته وجعل عربيا. * (لقوم يعلمون) * أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما يتبين لفظه. ويتضح لهم الهدى من الضلال، والغي من الرشاد. وأما الجاهلون، الذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالا، ولا البيان إلا عمى فهؤلاء لم يسق الكلام لأجلهم، * (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) *. * (بشيرا ونذيرا) * أي: بشيرا بالثواب العاجل والآجل، ونذيرا بالعقاب العاجل والآجل وذكر تفصيلهما، وذكر الأسباب والأوصاف التي تحصل بها البشارة والنذارة. وهذه الأوصاف للكتاب، مما يوجب أن يتلقى بالقبول، والإذعان، والإيمان به، والعمل به. ولكن أعرض أكثر الخلق إعراض المستكبرين، * (فهم
(٧٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 739 740 741 742 743 744 745 746 747 748 749 ... » »»